الذكاء الاصطناعي في الإعلام.. بين التمكين والتحدي

الثورة – بسام مهدي:

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب مقالاً صحفياً ينافس إبداع الصحفي البشري، أم أننا على أعتاب ثورة إعلامية تجمع بين الآلة والإنسان؟.

في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي، أصبح الذكاء الاصطناعي لاعباً رئيسياً في صناعة الإعلام، إذ يُستخدم لتحليل البيانات، وإنتاج المحتوى، وتخصيص الأخبار بسرعة وكفاءة غير مسبوقة، يُعد الذكاء الاصطناعي أداة ثورية تمكّن الإعلام من تقديم محتوى أكثر دقة وسرعة، لكنه في الوقت ذاته يثير تحديات أخلاقية ومهنية تتطلب معالجة دقيقة لضمان استدامة هذا التطور من دون المساس بجودة الإعلام ومصداقيته.

تمكين المؤسسات الإعلامية

يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في صناعة الإعلام من خلال تمكين المؤسسات الإعلامية من تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة، ما يتيح استخلاص أخبار وتقارير موثوقة تعكس الواقع بدقة.. فعلى سبيل المثال، تستخدم وكالات مثل رويترز الذكاء الاصطناعي لأتمتة كتابة التقارير الرياضية والأخبار المالية، ما يوفر الوقت ويقلل التكاليف مع الحفاظ على جودة المحتوى.

كما يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة القارئ من خلال تخصيص المحتوى وفقاً لاهتماماته، مما يعزز التفاعل والولاء. وبفضل زيادة الكفاءة في إنتاج المحتوى، يمكن للمؤسسات الإعلامية التركيز على الإبداع والتحقيقات العميقة، ما يعزز مكانتها في عالم تنافسي متسارع.

التحدي الأخلاقي والمهني

في ظل الانتشار المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي،

برزت مجموعة من التحديات التي تُثير القلق بشأن مستقبل المهنة والمحتوى المقدم للجمهور، فعلى الصعيد الأخلاقي، بات من السهل إنتاج أخبار مزيفة ومضللة باستخدام تقنيات مثل التزييف العميق، إلى جانب خطر التحيز الكامن في الخوارزميات التي قد تُعيد إنتاج الصور النمطية بدلاً من معالجتها.

أما تقنياً، فإن فعالية هذه الأنظمة تعتمد بشكل كبير على توفر بيانات دقيقة وموثوقة، في وقت تُطرح فيه تساؤلات جدية حول حماية الخصوصية وحقوق المستخدمين، ومن جهة أخرى، يهدد الذكاء الاصطناعي بإزاحة العديد من الوظائف التقليدية في غرف الأخبار، ما يثير مخاوف حقيقية بشأن مستقبل الصحفيين، كما أن الاعتماد المفرط على هذه التقنيات من دون إشراف بشري يعرض مصداقية المحتوى الإعلامي للخطر، ويقوض الثقة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية.

وهنا تبرز مسؤوليات جديدة: من يتحمل مسؤولية الخبر إذا كان مصدره خوارزمية؟ وما المعايير الأخلاقية التي يجب برمجتها في هذه الأنظمة؟ وكيف يمكن ضمان الشفافية والحياد في خوارزميات تتعلم من بيانات قد تكون متحيّزة أصلاً؟

بين الموثوقية والتضليل

لكن في المقابل، يطرح هذا التحول أسئلة جوهرية تتعلق بالمصداقية، فإذا كانت الخوارزميات تنتج محتوى بناءً على بيانات ضخمة، فمن يضمن دقة هذه البيانات؟ وهل تملك هذه الأنظمة القدرة على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمضللة؟ هنا يظهر خطر “الأخبار الاصطناعية” أو المحتوى الذي يبدو مقنعاً لكنه مزيف، وهو ما يُعرف بـ”التزييف العميق” (Deepfake)،

أحد أبرز تحديات الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي أمام الطفرة التكنولوجية التي فرضها الذكاء الاصطناعي، يجد الإعلامي نفسه اليوم في قلب معادلة جديدة تُعيد تعريف دوره ومهامه، فلم يعد مجرد كاتب أو مقدم محتوى، بل تحوّل إلى مشرف على الخوارزميات، ومحلل لنتائجها، وناقد لقراراتها.

هذا التحول لا يعني إلغاء الدور البشري، بل إعادة تموضعه من منفّذ إلى موجّه، ومن صانع للمحتوى إلى مُقيّم لجودته ومراقب لأبعاده الأخلاقية.

إنها نقلة نوعية تفرض على الإعلاميين امتلاك مهارات تحليل البيانات وفهم آليات الذكاء الاصطناعي، لضمان إنتاج إعلامي مسؤول، دقيق، ويواكب التحولات التكنولوجية دون أن يفقد جوهره الإنساني.

أبرز الآثار السلبية

أولاً:تهديد الوظائف حيث قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام والصحافة إلى تقليص الحاجة إلى العمالة البشرية، وذلك من خلال استبدال بعض الوظائف الإعلامية والصحافية بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى فقدان بعض الوظائف وتهديد مصادر الدخل للعاملين في هذا المجال.

ثانياً: التأثير على الحيادية الإعلامية حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على حيادية الإعلام من خلال تحليل البيانات وتوجيه المحتوى وفقاً لتفضيلات الجمهور، مما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الآراء المتشابهة وتقليل التنوع الإعلامي.

ثالثاً: خطورة تداول الأخبار الكاذبة حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم في إنتاج وتداول الأخبار الكاذبة والتضليلية، مما يمكن أن يؤثر على مصداقية وثقة الجمهور بالإعلام والصحافة.

رابعاً: الخصوصية والأمان، قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام والصحافة إلى تهديد الخصوصية والأمن الإلكتروني، إذ يمكن أن يتم جمع وتحليل البيانات الشخصية للمستخدمين من دون علمهم أو موافقتهم، ما يشكل تهديداً لخصوصيتهم وأمنهم الإلكتروني.

خامساً: حقوق النشر والملكية الفكرية، حيث يستند الذكاء الاصطناعي على شبكات عصبية اصطناعية، وتلزمه مجموعات شاملة من البيانات كي يتدرب عليها، في الغالب، تضم تلك المجموعات صوراً أو مقاطع فيديو أو أصواتاً أو نصوصاً، وقد تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي قواعد البيانات المحمية بحقوق الطبع والنشر من دون إذن أصحابها، يشكو المسؤولون عن مصادر تلك المعلومات اليوم من استخدام أعمالهم من دون موافقتهم أو إرجاع الفضل إليهم، أو حصولهم على أي تعويض.

دور الصحفيين

أكد عدد من الأكاديميين والمختصين في المجال الإعلامي على ضرورة أن يستفيد الصحفيون والإعلاميون من تقنيات الذكاء الاصطناعي، واستخدامها لتحليل البيانات وتجميع المعلومات من مصادر مختلفة، إضافة لتحسين جودة تغطية الأخبار وتوفير المعلومات بطريقة أسرع وأكثر شمولية، مشيرين إلى أنه من المتوقع أن يستمر تطور الذّكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام في المستقبل.

بالتالي.. المطلوب من الصحفيين مواكبة التقنيات الجديدة، وأن يكون لديهم مهارات مختلفة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، بما في ذلك فهم التقنيات المتاحة والقدرة على تحليل البيانات والتواصل مع الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن الضروري أن يتدرب الصحفي على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح وفعال، مع الحفاظ على المعايير المهنية والأخلاقية العالية وضمان صحة ومصداقية المعلومات المنشورة.

الفرصة أمام الصحافة السورية

بالنسبة للإعلام السوري، فإن دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى غرف التحرير يمكن أن يكون فرصة ذهبية لتطوير الأداء الإعلامي، خاصة من حيث تحليل البيانات الضخمة، ورصد الاتجاهات الرقمية، ومكافحة الأخبار الزائفة المنتشرة على المنصات المفتوحة.

كما يمكن لهذه التقنية أن تدعم الصحفي السوري في تحرير المحتوى، وتصحيح اللغة، وتحديد أولويات النشر وفقاً لاهتمامات الجمهور، ما يساهم في رفع كفاءة المنتج الإعلامي وتسريعه، دون المساس بالقيم التحريرية الوطنية والمهنية.

وهنا تقع المسؤولية على عاتق المؤسسات الإعلامية الوطنية، التي ينبغي أن تضع أطراً تنظيمية وأخلاقية لاستخدام هذه التقنية، بما ينسجم مع الهوية الثقافية السورية، ويحفظ المهنية والموضوعية في الطرح.

تكامل لا بد منه

إن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الإنسان، بل أداة مساندة، والتحدي الحقيقي أمام الإعلاميين اليوم ليس في مقاومة التقنية، بل في فهمها، وتوظيفها بذكاء، مع الحفاظ على القيم المهنية التي بُني عليها الإعلام منذ نشأته: الصدق، الدقة، والالتزام بالحق.

آخر الأخبار
تأهيل ثلاث مدارس في ريف دير الزور  التنمية الإدارية تنشر قوائم تضم 40,846 مفصولاً تمهيداً لإعادتهم إلى العمل  تحالف للاقتصاد السوري السعودي.. د. إبراهيم قوشجي لـ"الثورة": لا يخلو من التحديات ويفتح أسواقاً جديد... "أوتشا": خطة إسرائيل لاحتلال غزة تنذر بكارثة إنسانية   الصناعة والتجارة الأردنية: 200إلى 250 شاحنة تدخل سوريا يومياً تعرفة الكهرباء الموجودة..  بين ضغوط "التكاليف والإمكانات"   الاتفاقية السورية- السعودية خطوة استراتيجية لإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني  "إدارة الموارد المائية في ظروف الجفاف بمحافظة اللاذقية" تحديث منظومة الضخ من نبع السن وتنفيذ محطات ... مرسوم  بتعيين إبراهيم عبد الملك علبي مندوباً دائماً لسوريا في الأمم المتحدة  نيويورك تايمز: جرائم نظام الأسد تغيّب مئات الأطفال في متاهة السجون ودور الأيتام الحالة الوطنية الجامعة وتعزيز مبدأ الانتماء والهوية أرقام مبشرة في حصاد ما أنجزته "الزراعة" منذ بداية 2025 تكريم الطالبة مها الدوس بدرعا لتفوقها في شهادة التعليم الأساسي "أوقاف درعا الشعبية" تدعم المستشفيات وجرحى أحداث السويداء تطوير منظومة النقل في حلب وتنظيم قطاع المركبات الزراعة بريف حلب بين التحديات والفرص ارتفاع كبير ومفاجئ للأسعار في أسواق طرطوس.. والرقابة غائبة! "شفاء 2".. يداً بيد لتخفيف معاناة المرضى .. 100 طبيب سوري مغترب لتقديم الرعاية الطبية والجراحية المج... ضربات الشمس تحت السيطرة.. وقطاع الإسعاف في خط الدفاع "ضاحية قدسيا" بين تحديات الواقع الخدمي وآمال الدعم الحكومي  خدمات متردية في السكن الشبابي ومساحا...