الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
في الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينغ في الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة قال: “يجب على الدول الكبرى أن تتصرف انطلاقاً من كونها دولاً عظمى، وأنّ تحمل المسؤوليات الواجبة عليها انطلاقاً من كونها دولاً رئيسية تملك دوراً فعالاً في العالم”.
وأشار الرئيس الصيني إلى المشاكل القائمة في العلاقات الدولية ولكنّه لم يذكر مباشرة اسم أي دولة، وهذا يعني أن الصين قلقة بشأن المشاكل نفسها وليس من استخدام الأمم المتحدة، والتي هي منصة حوار متعددة الأطراف مفتوحة للتجادل مع أي من القوى الكبرى الأخرى.
تأمل الصين بكلّ إخلاص أن يكون هناك تعاون بين دول العالم وتشدد باستمرار على أنه لا ينبغي للعالم في القرن الحادي والعشرين أن ينخرط في لعبة لا نتائج لها، وبناءً عليه يجب على جميع الدول أن تقوم بحل الخلافات فيما بينها بطريقة عقلانية.
وكعادته، فقد أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً في الجلسة العامة للأمم المتحدة عندما هاجم وبشكل مفاجئ أداء الصين في العديد من الجوانب وخاصة تلك المتعلقة بطريقة مكافحة وباء كوفيد -19 نافياً دور الصين البنّاء في الحوكمة العالمية.
وقد تحوّل الخطاب الذي ألقاه ترامب إلى”مواجهة صينية أميركية” فصرف انتباه المجتمع الدولي عن الأزمات العالمية، وزاد من صعوبة دفع المهمة العاجلة من أجل التعاون الدولي لمكافحة جائحة فيروس كورونا.
أما غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، فقد قال: “نحن نتحرك في اتجاه خطير للغاية، فعالمنا لا يستطيع تحمّل أن يقوم أكبر اقتصادين بتقسيم العالم ويتسببان بحدوث شرخ كبير، إذ يمتلك كل منهما قواعده التجارية والمالية الخاصة بالإضافة إلى امتلاكهما قدرات متميزة للإنترنت والذكاء الاصطناعي”.
وتبدو مخاوف غوتيرش منطقية، قياساً بالانقسام التكنولوجي والاقتصادي بين الدولتين الذي سيخلق فجوة جيواستراتيجية وعسكرية تهدد العالم بأسره.
إنّ عدم الانخراط في العداء، على غرار الحرب الباردة، هو ركيزة مهمّة في إرساء السلام العالمي وهذا يتطلب على الأقل من القوى الكبرى أن تحافظ على التعاون فيما بينها.
يبدو واضحاً أنّ الصين تلتزم بالحفاظ على التعاون بين القوى الكبرى كما أنّها تتحلى بالمرونة في ميزان المصالح المقبول من جميع الأطراف.
ولكن المشكلة تبقى في إدارة ترامب التي تصعِّد وبشكل هستيري المواجهة مع بكين، وتقوم بحشد المزيد من القوات في محيطها، بينما يعمل صانعو السياسة الأميركية على تقسيم العالم عمداً كما كان الحال أثناء الحرب الباردة.
إن الدافع للترويج لحرب باردة هو النسخة النهائية من الأحادية حيث تظهر وبوضوح الهيمنة والغطرسة الخطيرة والخاطئة للولايات المتحدة، ويعلم الجميع أن الولايات المتحدة تتراجع في قدرتها التنافسية في ظل النظام الدولي القائم حالياً والذي بدأته وخلقته واشنطن نفسها على قواعد خاصة بها، فهي تريد بناء نظام عالمي جديد أكثر فائدة لخدمة مصالحها فقط.
والسؤال هنا: هل حققت الولايات المتحدة أي مكاسب بشنها الحرب التجارية غير المسبوقة على الصين، أو حققت أي مكاسب بتعطيل سلسلة التوريد العالمية؟.
إنّ واشنطن لا يمكنها إلا أن تكون الخاسر الأكبر في هذه العملية، فالصين هي الأكثر تنوعاً في التصنيع كما أنّ لديها إمكانيات أكبر لتسويق منتجاتها، فإذا كانت الولايات المتحدة تعمل على تحسين ابتكاراتها ومنتجاتها، فمن هو إذاً الذي يمكنه الاستفادة من “الانفصال” عن الصين؟.
إن الفشل الخطير في التعامل مع كورونا هو خطأ الولايات المتحدة نفسها، ولا علاقة للصين به، بل إنه من السخافة جداً تحميل الصين المسؤولية عن وفاة أكثر من 200000 حالة في الولايات المتحدة بسببه، إلا أن الترويج لمثل هذه الكذبة له فوائد معينة في ظل البيئة السياسية الأميركية، لكن العالم بأسره سيحتقر هذه السياسة.
لقد قامت الصين “بضبط النفس” بشأن تحركات واشنطن المجنونة لإطلاق حرب باردة جديدة وتقسيم الأمم المتحدة والعالم، فاستمرت بسياسة الانفتاح وتجنبت تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة، لأنّ تنمية الصين تحتاج إلى عالم موحّد، وهي مستعدة دائماً لبذل قصارى جهدها للدفاع عن هذا التضامن.
وكان كل من الرئيسين ” شي وترامب” قد أدليا بخطابيهما في الجلسة العامة للأمم المتحدة عن طريق مقاطع فيديو مسجلة مسبقاً، وفي الوقت الذي أكّد فيه الرئيس الصيني على الوحدة والتعاون بين دول العالم، قام ترامب بذكر الصين أكثر من 12 مرة، الأمر الذي يمكِّننا وبسهولة من معرفة الجانب الأكثر موثوقية.
فإذاً أصبح القرن الحادي والعشرون في النهاية هو قرن الانقسامات، فإن النخب الحاكمة وصانعي السياسة في الولايات المتحدة هم الوحيدون الذين سيتم ذكرهم كمذنبين وخطاة في التاريخ.
المصدر Global Times