الملحق الثقافي:حاتم حميد محسن :
حاول الناس عبر القرون فهم أصل الحرية الإنسانية. هناك من اعتقد أن الحرية الإنسانية تنبع كحق اُعطي من الله. آخرون اعتقدوا أن الحرية تنبثق من قرارات يصنعها الناس كجماعة. وهناك أيضاً من اعتقد أن الحرية تأتي من ثنائية مركبة من الدين والجماعة.
يقول الأكويني” من الواضح أن القانون الطبيعي لا يعني أي شيء آخر عدا مشاركة المخلوقات الرشيدة في القانون الأبدي”. الأكويني يركز على المخلوقات الإنسانية الرشيدة بسبب مقدرتها على ممارسة الرغبة الحرة”… الإنسان أكثر حرية من الحيوانات بموجب رغبته الحرة التي اُعطيت له قياساً بكل الحيوانات الأخرى”. وبينما هناك قانون صنعه الإنسان، نجد هناك ما يصفه الأكويني بالقانون الأبدي، أو قانون الله. ولذلك، فإن الحرية الإنسانية تتسع فقط بمقدار ما يسمح الله للرغبة الحرة بالتمدد. باستعمال هذا الفهم، يستطيع المرء القول أن الأكويني يعتقد أن القوانين لا تقيّد ولا توسّع حرية الإنسان، لأن حرية الإنسان كما نُظر إليها وفق القانون، هي بالضبط ما يحدده القانون الإلهي.
الفقرة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تقول: إن كل فرد له حقوق معينة، حقوق في الحياة، الحرية، الحماية. إن عقيدة الأكويني تقرر أن القانون الأبدي هو قانون الله، وأن كل الحرية الإنسانية تأتي من الله. ولذلك فإن الحياة، الحرية، والأمن كلها هبة من الله وهو منْ يستردها.
يؤيد الأكويني الفقرة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان من منظور ديني، إذا كانت هذه الحقوق رُسمت بواسطة الخالق، فإن الخالق هو فقط من يستردها. ولذلك، فإن الإنسان حر بحماية الحقوق الممنوحة له من الله، لكي لا يتدخل أي إنسان في القانون الأبدي.
هوبز يعلن: “وبسبب ظروف الإنسان، التي هي ظروف حرب الجميع ضد الجميع، والتي بها كل شخص محكوم بعقله الخاص، وأنه لا شيء يمكنه الاستفادة منه في حماية نفسه من الأعداء، يتبع ذلك، أن لكل فرد الحق بأي شيء، حتى بشخص آخر”. ولذلك، طبقاً لهوبز، القانون سيقيّد حرية الإنسان. هوبز يقول: “… طالما يستمر هذا الحق الطبيعي لكل شخص بكل شيء، فلا أمان هناك لأي شخص للعيش، وحيث تسمح الطبيعة للناس بالحياة”. وكما في الفقرة 3 من إعلان حقوق الإنسان، هوبز لم يؤيد الحق العالمي بأن كل الناس لهم الحق في الحياة والحرية وحماية أنفسهم. الطبيعة ذاتها لا تسمح بهذا، لأن الطبيعة لا تتبع قانون الإنسان. ولذلك، فإن هوبز ليس فقط لا يتفق مع الفقرة الثالثة، وإنما هو لا يؤيدها. حسب وجهة نظره، الطبيعة لا يمكن أن تكون مقيدة بقوانين يصنعها الإنسان.
الأكويني وهوبز لهما رؤيتان مختلفتان. الأكويني يشير إلى قانون الله، بينما هوبز يشير إلى الطبيعة. قد يجادل البعض أن القانون الديني والطبيعة هما ذات الشيء، لكن الأكويني يعتقد أن الله فقط يستطيع منح القانون وحماية الحرية الإنسانية. الطبيعة من جهة أخرى، ليس لها خطة إلهية، لأنها لا تدرك.
إن السعادة هي ذاتية، ما يجلب السعادة لشخص ما قد يجلب الحزن لشخص آخر. الواجب هو شيء يفهمه كل الناس حتى عندما لا يشتركون بنفس المستوى من الالتزام بالواجب. السؤال هو هل يمكن للسعادة أن تؤدي إلى الواجب أم أن الواجب يؤدي إلى السعادة؟ هل الواجب والسعادة مترابطان بطريقة ما؟
كانط يقول “الواجب هو تسمية أو تعيين لأي فعل يتقيّد به أي فرد بالتزام”. الالتزام يحفز المشاعر، سواء كانت مشاعر سعادة أو حزن أو قناعة أو اللافرق. كانط يستمر بالقول “لأن سعادة المرء هي وبلا شك غاية لكل الناس (بمقتضى حوافزهم الطبيعية)، لكن هذه الغاية لا يمكن دون تناقض اعتبارها واجباً”. كانط يعتقد أن السعادة ذاتها لا يمكن اعتبارها كواجب أو التزام.
إعلان الاستقلال الأمريكي يقول إن كل الناس لهم الحق في الحياة والحرية ومتابعة السعادة. ما هي الحقوق؟ هل هي واجب أم التزام؟ الحق، في سياق ما نوقش في إعلان الاستقلال يقترح أن كل الناس لهم الحق ليقرروا متابعة الحياة والحرية والسعادة، لكنهم غير ملزمين لمتابعة ذلك الحق. لا أحد ينكر سعي الأفراد في قراراتهم لمتابعة تلك الحقوق، ولكن في النهاية لا أحد ملزم بمتابعتها إن لم يرغب بذلك. كانط يؤيد إعلان الاستقلال.
أما جون ستيوارت مل فيقول: “ان العقوبة الداخلية للواجب (1) مهما كان مستوى الواجب هي نفس الشعور في الذهن من حيث الألم أو الشعور بالمخالفة للواجب، وهي الأكثر أهمية في تشكيل شعور الفرد. هو يستمر في القول “فيما يتعلق بالحافز الديني، إذا كان الناس يعتقدون، في خيرية الله، ويرون أن ما هو جوهري هو الذي يؤدي إلى السعادة العامة، لذا يجب بالضرورة أن يعتقدوا أيضاً أن السعادة تنال موافقة الله”.
لو كل شخص يحوز على حق الحياة، والحرية و متابعة السعادة طبقاً لتفسير مل، يجب على المرء أن يسأل إن كانت تلك الحقوق أقرت من جانب الله. كذلك يجب على المرء أن يسأل إن كانت تلك الحقوق واجبات، وإذا كانت كذلك، هل هي تثير قلقاً داخلياً لدى الفرد يفشل فيه للوفاء بالواجب المذكور. إعلان الاستقلال يقول إن هذه الحقوق أُعطيت لكل الناس من جانب خالقهم. لذلك، فإن مل سيؤيد بيان إعلان الاستقلال.
الواجب يمكن أن يؤدي إلى السعادة اعتماداً على الكيفية التي يختبر بها المرء واجباته ومسؤولياته. الواجب يمكن النظر إليه كعبء أو كخير اعتماداً على الرؤية في كل حالة. كانط ومل كلاهما يعتقدان أن الواجب عالمي. لكن المشاعر التي يحفزها الواجب ليست كذلك.
إن الحق بامتلاك الملكية لا يعتبره الكثيرون حقاً. من السهل الحصول على الملكية ومن السهل التخلص منها في هذا العصر الحديث. الرغبات تلعب دوراً في الحصول على الملكية، الإعلانات في كل يوم تلعب دوراً في تلك الرغبات. هذه الرغبات تشحذ الاقتصاد، وهي كانت كذلك منذ ألف عام.
يرى لوك أن “العمل في البداية أعطى الحق في الملكية”، المرء يجب أن يعمل ليحوز على الملكية، وأن هناك ملكية في العالم أكثر مما تستطيع البشرية حيازته. باستخدام قول لوك يمكن للمرء أن يرى هناك معادلة، الرغبة زائد العمل تساوي الملكية. إذا كان المرء يرغب بالملكية، فهو يجب أن يؤدي العمل للحصول عليها.
هيوم يقول: “بالنسبة إلى كل الحيوانات التي يعيش معها الناس في هذا العالم، لا أحد فيها، مارست الطبيعة وحشية تجاهه أكثر مما نحو الإنسان، في الرغبات والحاجات اللامحدودة والضروريات التي تحمّلها، وفي الوسائل الضئيلة التي أتيحت له لتخفيف تلك الضروريات”. وهو ما يعني أن البشرية تحتاج الكثير والطبيعة لا تفعل شيئاً لتخفيف الحاجة للملكية. إذا أراد الإنسان تكوين مجتمع، يجب عليه امتلاك ملكية لأن حيازة الملكية تجلب الاستقرار والاستقرار يجلب السلام. الإنسان يرغب بالملكية والاستقرار والسلام.
الإنسان يجب أن يمتلك الملكية لكي يبقى على قيد الحياة. ذلك يتضمن الملابس والمنزل والطعام والماء. الضروريات هي ملكيات. إذا كانت الملكيات ضرورة للحياة، فمن المنطقي الاستنتاج أننا حين نمنع أحداً من اكتساب ما يحتاج ليعيش، ذلك سيكون إنكاراً للحق. بالتأكيد كل فرد له الحق في الحصول على ما يحتاج ليعيش بدون عوائق.
الهوامش
(1) يحلل مل طريقتين يتحفز بهما الناس للقبول أو ممارسة الفعل الأخلاقي، وهما العقوبات الخارجية والعقوبات الداخلية. إن الخوف من العقوبة أو من عدم موافقة الآخرين تشكل عقوبات خارجية، بينما الشعور الأخلاقي المغروس جيداً (الإحساس بالواجب) يولّد عقوبات داخلية. شعور الفرد بالواجب أو الضمير يولّد إما عدم راحة من مخالفة الواجب، أو الشعور بالذنب والحزن لو أن المرء خالفه فعلاً. العقوبات الداخلية هي أكثر تأثيراً من الخارجية، طالما أن حوافز الناس النهائية للفعل هي تجسيد لشعورهم الذاتي.
التاريخ: الثلاثاء6-10-2020
رقم العدد :1015