الملحق الثقافي:
تعد حرب تشرين عام 1973، أو حرب العاشر من رمضان، مفصلاً مهماً في تاريخ المعارك والحروب مع العدو الصهيوني. وسجل المقاتل العربي صفحات عز وفخار لانتصارات تردد صداها في أنحاء الوطن العربي والعالم. وحطم الجندي العربي أسطورة ظلت لسنوات تجثم على صدور أبناء أمتنا والتي تتحدث عن الجندي الصهيوني الأسطورة الذي لا يهزم.
وقد انعكست حرب تشرين وتفاصيلها في العديد من الأفلام السينمائية والتلفزيونية. ولكن هذه الأعمال لم تصل في مستواها الفني إلى عظمة الحدث التاريخي الذي جرى.
ففي الدراما السورية ظهرت بعض الأعمال الدرامية التي تناولت حرب تشرين، ولكنها للأسف أعمال شحيحة ولم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهذا تقصير وإجحاف بحدث تاريخي غير في ضمير الأمة وفي خارطة الصراع العربي الصهيوني، فقد قدمت تلك الأعمال الفيلمية التلفزيونية توثيقاً لحرب تشرين من خلال تركيزها على بطولات الجيش العربي السوري في ميدان المعركة. ونقلت الكاميرا مشاهد حقيقية من ساحات القتال والاشتباك المباشر مع جنود العدو الصهيوني لتكون بمثابة وثيقة بصرية حية عن شجاعة المقاتلين واستبسالهم وتضحياتهم في سبيل عزة الوطن.
وأول ما يتبادر إلى الذهن من الأعمال الدرامية الفيلم التلفزيوني «عواء الذائب» والجملة الشهيرة التي ملأت بصداها الأفاق ورددها الفنان الراحل صلاح قصاص «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بوعمر خاين يا خديجة». كان الفيلم من إخراج شكيب غنام وتأليف خالد حمدي الأيوبي عن قصة واقعية حدثت في أحد أرياف دمشق أثناء حرب تشرين.
يتحدث هذا العمل عن المهرب الفار «أبو عمر» الذي يتخذ من الجبال مخبأ له، بعد أن حكم عليه بالإعدام لقتلة أحد أفراد الشرطة. لكنه أثناء حرب تشرين يتمكن من القبض على طيار صهيوني سقطت طائرته في الأرض السورية، بعد أصابتها من قبل الطيران السوري، يحاول الطيار أغراء «أبو عمر» بالمال من أجل أن يوفر له السبيل للفرار، لكن أبو عمر يرفض ويذهب إلى رئيس المخفر، فيسلم نفسه ومعه الطيار الصهيوني.
بعد حرب تشرين بسنوات قدّم أيضاً المخرج شكيب غنام فيلماً تلفزيونياً حمل اسم «العريس» حيث رصد العمل قيمة الشهادة العليا، واعتبارها عرساً وطنياً. حيث يُستقبل الشهيد الأتي من الحرب بالزغاريد ورش الأرز والورود، احتفاء وفخراً به.
تناول فيلم «العريس» حكاية شاب سيتزوج قريباً، وأثناء استعداده للزفاف يناديه الوطن فيلبي النداء ويستشهد، فما كان من والده لحظة تلقيه النبأ إلا أن رفض إقامة التعازي وأقام له عرساً كبيراً، فابنه استشهد للذود عن الوطن وهو أمر مدعاة للاعتزاز، ويأتي هذا الفيلم ليحاكي مرحلة تاريخية نمر بها اليوم، فهو يعتبر بشكل أو بآخر عملاً معاصراً في مفرداته وبما يحمل من معانٍ ودلالات وأبعاد تعكس اللحمة الوطنية.
كما قدّم المخرج غسان باخوس تمثيله تلفزيونية حملت عنوان «الولادة الجديدة». وتميزت تمثيلية «الولادة الجديدة» بإبراز عمق العلاقات الاجتماعية بين السوريين ووقوفهم بعضهم إلى جانب بعضٍ ونسيانهم لكل الخلافات؛ مع رصد معارك حقيقية ضارية بين الجيش العربي السوري وقوات الاحتلال؛ موثقاً بذلك لذاكرة بصرية لافتة في تعاطيها مع حرب تشرين؛ مصوراً تلك الروح الأصيلة للجندي السوري؛ والتي جسّدها الفنان رشيد عساف في أثناء أدائه لدور قائد كتيبة دبابات تتعرض لقصف الطيران الإسرائيلي ليحمل بعد ذلك رفيقه معيداً إياه إلى أهل قريته.
أما تمثيلية «حكاية من تشرين» للمخرج هاني الروماني فاختلفت شكلاً ولكنها تشابهت مع سابقتها مضموناً، حيث وثقت قصصاً ميدانية من أرض المعركة في مزج مترابط بين مشاهد الدراما وواقعية الشريط الوثائقي.
بعد وطني وقومي
وقبل سنوات عدة قدّم المخرج نجدت أنزور مسلسلة «رجال الحسم» عن بطولات الجيش العربي السوري في حرب تشرين، من خلال حبكة جاسوسية يقوم عبرها ضابط سوري بمتابعة إحدى شبكات الموساد الصهيونية المنتشرة في أوروبا.
ويحمل هذا العمل بعداً وطنياً وقومياً عندما صور المعاناة والحياة القاسية التي يعيشها أبناء الشعب العربي السوري في الجولان المحتل، وصمودهم ووقوفهم في وجه المحتل الصهيوني وتمسكهم بعروبتهم رغم كل أنواع القهر والتنكيل بهم.
وتدور أحداث المسلسل الرئيسية حول الشاب «فارس» ويتطرق بطريقة إنسانية إلى قضيته التي دفعته للانتقام لعائلته عبر القيام بعملية فدائية في الأرض المحتلة، ولكن الظروف تحول دون تحقيق ذلك… غير أن إصرار فارس على القيام بعمل ما يدفعه للسفر إلى دولة أوروبية والعمل في مطعم يرتاده أشخاص من المافيا الإسرائيلية بعد أن يغير اسمه.
كما يتخلل المسلسل عملية تجسس فيها سلسلة من الأحداث التي سقطت من خلالها الأقنعة عن حياة ضباط الموساد الذين اختبؤوا وراء ستار ولائهم لدولتهم.
ويكسر العمل حجر الجدار الذي اختبأ وراءه جبروت رجال الموساد ليضعهم أمام عاصفة العدالة السماوية التي لابد أن تطبق في الأرض مهما رفض المعتدي.
ويحمل العمل بعداً وطنياً وقومياً وهو يتحدث عن معاناة يعيشها أبناء الشعب السوري في الجولان المحتل وانتشار ثقافة المقاومة ويصور جرائم الموساد.
إضافة إلى ما سبق ذكره فقد قدّمت بعض الجهات الإنتاجية في سورية سواء التلفزيون أو المؤسسة العامة للسينما أو الإدارة السياسية في الجيش العربي السوري بعض الأعمال التوثيقية والشهادات البصرية الموثقة عن حرب تشرين نذكر منها «جاء تشرين» من إخراج وديع يوسف، وفيلم «التحرير» من إخراج غسان باخوس، «الاختراق» من إخراج غنام غنام، والفيلم السينمائي «سرب الأبطال» إخراج «مروان عكاوي».
في مصر
أما على المقلب الآخر، لا يمكننا إلا الحديث عن الأعمال السينمائية التي أنتجت عن حرب أكتوبر في البلد العربي الثاني الذي شارك في تلك الحرب ودارت رحى معاركها في أجوائه وعلى أرضه.
إذا رجعنا إلى سجل الأفلام المصرية التي احتفت بانتصار السادس من أكتوبر عام 1973، وتناولت أحداث الحرب ومجرياتها، أو القصص التي اتكأت على معارك حرب تشرين، فإننا لن نعثر على الكثير من تلك الأفلام، حتى تلك الأفلام القليلة جاء معظمها رديء وبشكل فني ضعيف لا يحاكي الانتصار الذي جرى في أكتوبر.
لقد قصرت السينما المصرية كماً وكيفاً في تناول تلك الحرب الخالدة، تلك السينما المعروف عنها الغزارة في الإنتاج، مع وجود كل إمكانيات التي تمكن صناع الأفلام من التصدي لإنتاج أفلام ضخمة تكون بمستوى تلك الحرب الفاصلة التي تعد مفصلاً تاريخياً في الصراع العربي الصهيوني، خمسة أفلام فقط لا غير هي التي تناولت في جزء منها أحداث معارك حرب تشرين وهي «الرصاصة لا تزال في جيبي» من إخراج حسام الدين مصطفى، عن قصة لاحسان عبد القدوس، وفيلم «بدور» من تأليف وإخراج نادر جلال. «الوفاء العظيم» من أخراج حلمي رفله، و»حتى أخر العمر» من إخراج أشرف فهمي، و»العمر لحظة» من إخراج محمد راضي. إذاً خمسة أفلام تناولت بشكل أو بآخر أجزاء وشظايا من انتصار أكتوبر داخل أحداثها الدرامية، بعض هذه الأفلام اتخذت من حرب تشرين مجرد حدث عابر داخل فيلم تجري أحداثه على وقع قصة حب بين شاب وفتاة، وتعترضهما معوقات كالشاب الذي يتنافس مع آخر على قلب الفتاة، أو أب يرفض زواج ابنته لسبب ما، وأشياء أخرى من هذا القبيل، هنا نرى الحشو الدرامي واضحاً ومباشراً لحرب أكتوبر في الأحداث. ولن نجد في تلك الأفلام الوارد ذكرها أية أحداث أو مجريات تتناول حرب أكتوبر بشكل مباشر، إنما ظلت تلك الحرب ظلاً خجولاً للأحداث الدرامية التي تقوم عليها تلك الأفلام السينمائية.
ويعد العمل الأول والأكثر نجاحاً في مصر هو «رأفت الهجان» بأجزائه الثلاثة، حيث بدأ عرض جزئه الأول في نهاية الثمانينيات، واستمر عرض باقي أجزائه حتى منتصف التسعينيات، ويدور حول ملحمة وطنية من ملفات المخابرات المصرية تحكي سيرة الجاسوس المصري رفعت علي سليمان الجمال الذي تم زرعه داخل المجتمع «الإسرائيلي» للتجسس لمصلحة المخابرات المصرية، وكان له دور فعال في الإعداد لحرب تشرين على الجانب المصري، وأدى بطولته محمود عبد العزيز وإيمان الطوخي ويسرا ومحمد وفيق ومن تأليف صالح مرسي وإخراج يحيى العلمي.
في المسرح
كانت بداية المسرح عن حرب تشرين بقلم كوليت خوري التي كتبت «أغلى جوهرة بالعالم»، ثم مسرحية «نقطة دم شهيد» التي مولتها المرحومة «سامية المدرس» المدرسة في مدرسة أبناء الشهداء في العام 1974، حتى كانت رائعة الماغوط ودريد لحام «ضيعة تشرين».
التاريخ: الثلاثاء 6-10-2020
رقم العدد :1015