“التعفن الدماغي”.. خطر داهم كيف نتجنبه؟ د. منى كشيك: آليات رقمنة صحيحة لضبط الوقت والاختيار

الثورة – فردوس دياب:

“التعفن الدماغي”.. مصطلح بات يطلق مؤخراً على حالة الانغماس ومن دون وعي بمتابعة المحتويات السيئة والتافهة لساعات طويلة، وهي ظاهرة لا تزال تنتشر كالنار في الهشيم بين فئات الشباب والمراهقين، الذين يقضون معظم وقتهم في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى الدرجة التي يصبح من السهل فيها انجرافهم نحو مشاهدة محتويات “تافهة وسيئة”، وهو الأمر الذي يعرض الدماغ والعقل البشري إلى خطورة بالغة، وصفها العلماء والباحثون بـ”التعفن الدماغي”.

تصفح عشوائي

مدى خطورة وتأثير “التعفن الدماغي” على الدماغ والعقل، بالإضافة إلى تسليط الضوء عن ماهية هذه الظاهرة الخطيرة التي أوقعتنا جميعا في شراكها، كان محور لقائنا مع الأستاذة في قسم أصول التربية بكلية التربية بجامعة دمشق الدكتورة منى كشيك.

الدكتورة كشيك استهلت حديثها بالقول: إن مصطلح “تعفن الدماغ” اختير من قبل قاموس أكسفورد في العام 2024، بعد ارتفاع استخدامه بنسبة 230 بالمئة عن العام السابق، نتيجة لانعكاس القلق الجماعي من تأثير المحتوى الرقمي منخفض الجودة على الصحة العقلية، مشيرة إلى أن أول استخدام للمصطلح يعود إلى عام 1854 عندما استخدمه الفيلسوف الأميركي هنري ديفيد ثورو “والدن” لانتقاد تبسيط الأفكار العميقة في المجتمع.

وأوضحت كشيك أن “التعفن الدماغي” هو عبارة عن وصف ظاهرة انتشار التأثيرات السلبية الناتجة عن الإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي السطحي أو غير المحفز للعقل، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، كما أنه تدهور مفترض في الحالة العقلية نتيجة الإفراط في استهلاك محتوى تافه أو غير محفز فكرياً، مثل التصفح العشوائي لوسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة مقاطع قصيرة متكررة (مثل “ريلز” و”تيك توك”)،

مضيفة: إنه لا يوجد دليل علمي على وجود “جائحة تعفن دماغي بالمعنى الطبي أو الوبائي، لكن المصطلح يستخدم مجازياً لوصف ظاهرة انتشار التأثيرات السلبية الناتجة عن الإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي التافه أو غير المحفز للعقل، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي.

ضعف التركيز

وأكدت الأستاذة الجامعية أن مصطلح “التعفن الدماغي” هو مصطلح غير طبي يستخدم لوصف التدهور التدريجي في الوظائف المعرفية بسبب: التعرض المفرط للمحتوى الرقمي السطحي (مثل مقاطع فيديو قصيرة- والميمات والمحتويات عديمة القيمة)، وأيضاً بسبب تشتت الانتباه بسبب التصفح المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي وانخفاض القدرة على التركيز لفترات طويلة ما يؤثر على الإنتاجية والتعلم.

وبينت أن الأطفال والمراهقين هم أكثر عرضة للتأثر المبكر بصورة المحتوى غير الموجه، ما قد يعوق النمو الطبيعي للدماغ والبالغين وخاصة ممن يقضون ساعات طويلة في العمل الرقمي أو التصفح العشوائي.

وعن العلاقة بين تعفن الدماغ وأمراض عصبية حقيقية، أوضحت د. كشيك أنه لا يوجد مرض طبي يسمى تعفن الدماغ، لكن هناك حالات طبية قد تشبه بعض أعراضه مثل، “الاعتلال الدماغي”، الذي هو عبارة عن خلل في وظائف الدماغ يسبب عدوى والتهابات أو نقص الأوكسجين، و”الضباب الدماغي” الذي قد يسبب الإجهاد المزمن والخلل في وظائف الدماغ، مبينة أن هناك دراسات أظهرت أن تصوير الدماغ (مثل الرنين المغناطيسي الوظيفي) يكشف أن الاستهلاك المفرط للمحتوى القصير و السريع، يضعف الاتصال بين الفص الجبهي (المسؤول عن التركيز)، والجهاز الحوفي (المسؤول عن المشاعر) ،ما يقلل القدرة على التفكير النقدي، حيث يشبه بعض العلماء التأثير ب”ضمور العضلات” فكلما قل استخدام المناطق المسؤولة عن التفكير العميق، تضمر قدراتها تدريجياً.

الصحة الرقمية

وعن الفرق بين “التعفن الدماغي” و”الإدمان الرقمي”، نوهت الدكتورة كشيك إلى ضرورة التمييز بين الأمرين، إذ يركز الأول على تدهور الجودة الفكرية، أي ضعف الإبداع وقلة التركيز نتيجة نوعية المحتويات المشاهدة لجهة سطحيتها وتكرارها ومشاهدتها لساعات طويلة، بينما يركز الثاني على السلوك القهري، أي عدم القدرة على التوقف عن الاستخدام.

وذكرت كشيك أن هناك دراسة لجامعة هارفورد حول تأثيرات “تيك توك” على العقل البشري، إذ وجدت أن 68 بالمئة من المستخدمين يعانون من نسيان المهارات الأساسية (مثل الحساب الذهني) بعد 6 أشهر من الاستخدام المكثف، بالإضافة إلى تأثيراته على “الذاكرة الخارجية” لجهة الاعتماد على حفظ المعلومات في الهاتف، بدلاً من الدماغ مما يقلل من كفاءة الذاكرة طويلة المدى.

وأشارت إلى أن بعض الدول قامت بتقديم حلول مبتكرة مثل اليابان، من خلال تطبيق فترات الرقمنة في المدارس، حيث يمنع استخدام الهواتف لمدة 3 ساعات يومياً لتعزيز التفاعل الحقيقي، أما ألمانيا قد أدرجت “الصحة الرقمية” كجزء من الفحوصات الطبية الدورية للعاملين في قطاع التكنولوجيا، في ظل انقسام الآراء حول ذلك، فهناك الرأي المؤيد، ويعتبر البعض (مثل عالم الاجتماع د.نيكولاس كار)، أن “التعفن الدماغي” هو ثمن حتمي للتقدم التكنولوجي، وأن البشرية مرت بتحولات مشابهة مع اختراع المطبعة أو التلفزيون، وهنا رأي معارض تبناه فريق آخر (بقيادة د. مانيش ايموني)، يرى أن المصطلح مبالغ فيه وأن المشكلة تكمن في سوء إدارة الوقت لا في التكنولوجيا نفسها.

محتويات هادفة

ولكيفية تجنب الآثار السلبية لهذه الظاهرة الخطيرة، تحدثت كشيك عن مجموعة من الأمور التي يتوجب علينا جميعا كأهل وأسرة ومجتمع، الالتزام بها، ولعل أهمها وأبرزها تحديد وقت للجلوس أمام شاشات الموبايل، واستخدام أدوات ضبط الوقت والرقابة الأبوية، وتعزيز الأنشطة البدنية والعقلية، مثل القراءة والرياضة وتعلم مهارات جديدة، واختيار المحتويات الهادفة بعيداً عن تجنب التصفح العشوائي، والتركيز على المواد التعليمية، والإبداعية، وتعزيز العادات الصحية، مثل النوم الجيد والتغذية الغنية بمضادات الأكسدة وممارسة الرياضة والانخراط في أنشطة تحفيزية للدماغ، مثل القراءة والألعاب الذهنية والتأمل، وتجنب المحتوى السريع عديم الفائدة والتركيز على مواد تعليمية أو ترفيهية ذات جودة.

صيام رقمي

وختمت الدكتورة كشيك حديثها بالتأكيد على أن ظاهرة “التعفن الدماغي”، ليست مرضاً عضوياً، بل هي انعكاس لتدهور الصحة العقلية، بسبب العادات الرقمية الضارة، فيما يعتبر مصطلحاً استعارياً، إلا أن آثاره الواقعية على الإنتاجية والإبداع مثبتة بأبحاث علم الأعصاب، وبالتالي هي إطار تحليلي لفهم تحديات العصر الرقمي، لكنها ليست تشخيصاً طبياً، والأهم هو اتباع نهج متوازن، والوعي بالمحتوى الذي تستهلكه وتخصيص أوقات “صيام رقمي” يومياً، وتعويض الدماغ بأنشطة تحفز التفكير البطيء (مثل الشطرنج والكتابة اليدوية).. وهنا نستذكر مقولة الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، “العقل كالنار إن أطعمته الخشب الرديء احترق بسرعة، وإن اخترت له الوقود الجيد أنار لك الطريق”.

آخر الأخبار
تخفيض أسعار الفيول والغاز.. خطوة نحو انطلاقة جديدة واعدة لقطاع الصناعة سوريا تمضي بثقة نحو التعافي والنهوض سياسياً واقتصادياً الدفاع التركية: عدم التزام "قسد" باتفاق آذار يضر بوحدة سوريا  كارثة إنشائية في ريف حلب الجنوبي..  انهيار مبنى قيد البناء وإصابات خطيرة واقع جيد للنظافة في اللاذقية جهود تنظيمية بحلب لتثبيت العاملين في مجمعات الشمال التربوية من صهاريج بـ 70 ألفاً إلى شبكة داعمة..  حي "بعيدين" بحلب يروي عطشه ببطء "نيويورك تايمز": لا معنى لدعوات الاعتراف بالدولة الفلسطينية ما دام تدمير غزة مستمراً ترامب ينتصر لدافعي الضرائب الأميركيين لتوريدهما مادة السُّكّر.."قسد" تعتقل تاجرين بالرقة والأهالي يحررونهما دمشق تحقّق إنجازاً دبلوماسياً جديداً.. واشنطن تطالب بإلغاء عقوبات أممية جائرة تسعى لتحسين جودة البحث العلمي..جامعة اللاذقية ضمن أفضل 15 بالمئة من جامعات العالم سوريا وتركيا: بروتوكول تعاون لتحديث القطاعات الصناعية والإنتاجية دعم مؤسسات الدولة.. المسار الأنجح لتحقيق الاستقرار ومنع التدخلات الخارجية أوتوستراد المزة.. حلبة "ليلية" للتجاوزات وإقلاق الناس الأردن: إجلاء العشرات من مواطنينا من السويداء بالتنسيق مع سوريا  تكدّس القمامة في حي الزاهرة ينتظر إجراءات سريعة من مديرية النظافة آبار متجددة وطاقة شمسية.. شريان مياه ينبض بالحياة في عرطوز والمقيلبية النادي الأهلي الاجتماعي في صافيتا..  مساحة نابضة بالعمل والمتعة والفائدة شباب سوريا في قلب التنظيم..معرض دمشق الدولي يعود بروح جديدة