الثورة – غصون سليمان:
يبقى الحديث عن أهمية السلم الاجتماعي في بلدنا كحاجتنا للأوكسجين، فلا يجوز أن نتعب أو نمل من فتح نوافذه بين الحين والآخر، فنعمة الأمن والأمان لا يدانيها أي لون من قطوف السعادة النفسية والمجتمعية.
وما بين أطلال الحروب وأمل البناء، يظل الأمن العام هو الهاجس الأكبر للسوريين اليوم في كل بقعة من أرض الوطن، فبعد سنوات عصيبة طالت كل شيء، يبرز دور مؤسسات الأمن العام كدرع واقٍ وضامن أساسي لإعادة نسيج الأمن والأمان الذي يطمح إليه كل مواطن، فما هي واجبات هذه المؤسسات الحيوية؟ وما هو دورها المحوري في تشكيل مستقبل سوريا؟ الأمن العام، باختصار أكثر من مجرد رجال في الزي المخصص، وبالتالي لا يقتصر هذا المفهوم “الأمن العام” في بلدنا على مكافحة الجريمة بالمعنى التقليدي فقط، رغم أن ذلك يبقى أساسياً، بل هو مفهوم أوسع وأشمل، يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستعادة هيبة الدولة، وفرض سيادة القانون، وخلق البيئة الملائمة لإعادة الإعمار والاستثمار والعودة إلى الحياة الطبيعية، إنه الحاضن للاستقرار الذي تنمو في ظله كل مقومات الحياة الكريمة.
واجبات متشعبة
لاشك أن هناك واجبات متشعبة في ظروف استثنائية، إذ تواجه مؤسسات الأمن العام في الوطن تحديات جساماً تفرض عليها واجبات متعددة ومتداخلة منها
أولاً: حفظ النظام العام والأمن الشخصي، الحفاظ على السلم الأهلي، منع الشغب، حماية الأرواح والممتلكات، وضمان حركة آمنة للمواطنين، هذا هو الواجب الأساسي الذي تنبثق منه المهام الأخرى.
الأمر الثاني يتمثل بمكافحة الجريمة بشتى أنواعها، بدءاً من السرقة والسطو إلى جرائم العنف والقتل والاتجار بالمخدرات، وهذا يتطلب تعزيز القدرات التحقيقية والاستخباراتية وتطوير أساليب المواجهة.
ثالثاً: لابد من مكافحة الإرهاب والتصدي للأجندات الخارجية، إذ لا تزال التهديدات الأمنية الناشئة عن التنظيمات الإرهابية وعناصر الفوضى تمثل تحدياً رئيسياً، يتطلب تعاوناً أمنياً وثيقاً ومستمراً على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
رابعاً: لاشك أنه من الضروري فرض سيادة القانون، عبر ضمان تطبيق القوانين بشكل عادل ونزيه على الجميع، ومكافحة الفساد الإداري والمالي الذي يقوض ثقة المواطن بالمؤسسات ويعوق التنمية.
إضافة إلى حماية المنشآت الحيوية والبنى التحتية، من خلال تأمين المرافق العامة، والمطارات، والموانئ، والمنشآت الاقتصادية الحيوية، وخطوط الطاقة والنقل، والتي تعد أهدافاً محتملة للتخريب.
كذلك إدارة الحدود والهجرة غير النظامية، لناحية تعزيز السيطرة على المعابر الحدودية لمكافحة التسلل والتهريب والهجرة غير القانونية، التي تشكل تحديات أمنية واقتصادية.
حماية النسيج الاجتماعي
وعلى صعيد حماية النسيج الاجتماعي تنطوي على مهام عناصر الأمن العام العمل على منع النزاعات المجتمعية المحتملة، ومكافحة خطاب الكراهية، والمساهمة في تعزيز اللحمة الوطنية، والتصدي للجرائم الإلكترونية من خلال مواكبة التطور التكنولوجي ومكافحة الجرائم التي تستهدف الأفراد والمؤسسات عبر الفضاء الإلكتروني، والتي تزايدت أهميتها بشكل كبير.
وإذا ما بحثنا في الأهمية الاستراتيجية، وقلنا لماذا الأمن العام هو الأولوية بالنسبة لسوريا اليوم؟ فإن الجواب بالتأكيد لأنه هو أساس الاستقرار المجتمعي، فمن دون أمن، لا يمكن للمواطن أن يشعر بالطمأنينة ليعيش، ويعمل، أو يبني مستقبلاً، وهذا شرط أساسي لإعادة الإعمار، فالمستثمرون، المحليون والأجانب، لن يضخوا أموالهم في بيئة يعتبرونها غير آمنة، وبالتالي الأمن هو البيئة الحاضنة للتنمية الاقتصادية.
وهو الذي يساعد بتمكين عودة النازحين واللاجئين إذا ما توفر كشرط أساسي لعودة ملايين السوريين إلى ديارهم باعتباره ضمان أمنهم وأمن عائلاتهم في مناطق عودتهم.
لعل استعادة ثقة المواطن بالمؤسسات أمر أكثر من ضروري، عندما يلمس المواطن فعالية ونزاهة عمل الأمن العام، تتعزز ثقته بالدولة وقدرتها على حمايته وتقديم الخدمات.
وعلى صعيد محاربة الفساد وحماية المال العام: تعتبر مؤسسات الأمن العام حاسمة في تطبيق القوانين الرادعة للفساد الذي استنزف موارد البلاد لعقود، وبالتالي إن دعم العملية السياسية: يوفر الأمن المستقر الأرضية اللازمة لأي حوار أو عملية سياسية مستقبلية ذات مصداقية.
الطريق إلى الأمام
لا تخفى الصعوبات التي تواجه الأمن العام من تركة سنوات الحرب، والبنية التحتية المتضررة، ومدى الحاجة الملحة لتأهيل الكوادر وتطوير الأجهزة التقنية، حيث التحديات الاقتصادية التي قد تغذي الجريمة، إلى جانب التعقيدات الإقليمية، ولعل مواجهة هذه التحديات تتطلب، دعماً سياسياً ومؤسسياً لا محدود من أعلى المستويات في الدولة، استثمار في التكنولوجيا والتدريب، تحديث الوسائل وبناء قدرات بشرية عالية الكفاءة والنزاهة.
إضافة إلى تعزيز التعاون بين الأجهزة المختلفة، “الجيش، الشرطة” وغيرها، وكذلك مع المجتمع المحلي لناحية (مبدأ الشرطة المجتمعية)، ومن المهم أيضاً اعتماد مبدأ الشفافية ومحاسبة المقصرين: لبناء الثقة وتعزيز النزاهة.
حاجة ماسة
أخيراً.. الأمن العام في بلدنا هو حاجة ماسة وشرط لا غنى عنه لأي نهضة حقيقية، إنه الجدار الذي يحمي الحلم السوري في العودة إلى الحياة، وإعادة البناء، وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة، ونجاح مؤسسات الأمن العام في أداء واجباتها الشاقة والمقدسة هو نجاح لسوريا كلها، إنه الاستثمار الأهم في حاضر الوطن ومستقبله، فمن دون الأمن، يظل كل شيء آخر على المحك.