مرّ على حرب تشرين التحريرية سبعة وأربعون عاماً.. مسافة زمنية حدث فيها من المتغيرات على الساحة العربية والإقليمية والعالمية الكثير.. وفي كل الأحداث تلك نجد الصهيونية العالمية هي محراك الشر، والعقل المدبر لتفكيك العالم لأمن إسرائيل.
كل الحروب التي حدثت بعد حرب تشرين؛ التي تحررت فيها القنيطرة وجزء من الجولان على الجبهة السورية، وسيناء على الجبهة المصرية، صنعت لصالح الكيان الصهيوني،بعد إقرار دايان ومائير في حينه بالهزيمة أمام الجيوش العربية المشتركة.
الحرب بين الاتحاد السوفييتي وطالبان،افتعلت لإنهاك القدرة العسكرية السوفييتية،ثم تفكيك الكتلة الاشتراكية في العالم، والقاعدة وأفغانستان،وتفجير البرجين في الحادي عشر من أيلول.غزو العراق للكويت ثم الحرب على العراق،وإعادته لما قبل التاريخ.
فوكوياما وهنتغتون ونهاية العالم، وحتى لعبة السلام في مدريد في تسعينيات القرن الماضي. صراع الحضارات والسامية المزعومة. وقطبية القرن الواحد، وتفرد أميركا في القوة العالمية ثم الربيع العربي وتصنيع الإرهاب، ومشروع دولة للأكراد
أحداث أوردتها دون ترتيب، لكنها في النهاية جميعها تصب في مصلحة أمن الكيان الصهيوني، المحتل لفلسطين العربية وجر العرب للتطبيع معه.حيث لم يكتف بكامب ديفد، ووادي عربة، وأوسلو، ومكاتب التجارة مع الخليج الذي يهرول اليوم إليه..
هزيمة الكيان الصهيوني في أكتوبر تشرين الأول، وطرد الجيش العربي السوري له من بيروت عند احتلالها، وخروجه من غزة، وهزيمته أمام المقاومة اللبنانية ودحره من الجنوب اللبناني، وخشيته من محور المقاومة، جعله يستعر لتحطيم القوة العربية
كان لابدّ من تباعد المسافات بين العرب،تحطيم العراق.إشغال تونس بالربيع العربي تغيير النظام في مصر لصالح الإخوان الفاشل. ثم تنصيب السيسي. زرع الإرهاب في سورية لتحطيم ما بنته خلال ما يقارب أربعين عاماً واستنزاف قدرتها العسكرية حرب اليمن، تقسيم السودان. وتفتيت ليبيا.. وإفشال الاقتصاد اللبناني.استعداء إيران…
كل ما حدث هو لتضييق المسافة المناسبة التي تسمح لكل قطر بالتنفس دون إزعاج الغير. محاولة الاقتراب كثيراً لتملك الأقطار التي لم تطبع رسمياً .ولا تريد ابتعادها أكثر من اللازم.تحيك الخيانات لتملَك ضعاف النفوس.
لكننا نعمل بحرفية ضده بضبط المسافات، لأننا نؤمن أنها من أكبر سنن الكون ، ودلائل عظمته. سير الكواكب الدقيق مرتبط باحترام المسافات. لو اقتربت الشمس منا ميلاً واحداً لاحترقت الأرض. ولو ابتعدت ميلاً واحداً لتجمدنا وكل ما حولنا.. لكل شيء في الحياة خصوصية وحدود، يحرص على أن يحترمها الآخرون.
الاهتمام الزائد قد يفقد معناه وحميميته، ويتحول إلى اختناق يشعر معه الآخرون بالضجر والتململ الذي قد يتحول إلى نفور وكراهية. قد لا يشعر الآخر بالسعادة. إن اقتربت منه أكثر من اللازم، وهذا ليس صحيحاً على الدوام.
حكام الخليج يقتربون أكثر من اللازم من بني صهيون، يفرح بهم نتنياهو ويشرب نخب اقترابهم وضحكته تملأ شدقيه، وأوداجه تهتز من شدة فرحه بانبطاحهم، ويمني نفسه بزحف الباقين على عتبته.. لتضيق المسافات أكثر مما ترسمه الطبيعة وتحتمله.
حركة السيارات في الشارع (المرور) تحتاج لمسافة فيما بينها حتى لا تصطدم ببعض.كل شيء في الدنيا بحساب وإدارة. في زمن الكورونا لابدّ من حساب التباعد الاجتماعي واحتساب المسافة الاحترازية بيننا منعاً للعدوى ممن يحمل الفايروس .
في الكتابة لابدّ من مسافة بين الكلمة والأخرى كي يفهم الآخرون ما نكتب. كي نبقى بخير ونقضي على كل من يدنس أرضنا علينا حساب المسافات.ومع الأصدقاء مهما كانت علاقتنا حميمة؛ لابدّ من إدارة المسافات حتى لا يخنق أحدنا الآخر.
كي نحقق النصر و يبقى الجميل جميلاً في أعيننا علينا أن لا نقترب كثيراً. بعض التفاصيل الصغيرة الخافية على مسافة معينة قد تنفر عند الاقتراب أكثر من اللازم. وقد لا تحرز النصر المرجو. رغم طول المسافة الزمنية يبقى حافظ الأسد فينا حيّاً.
إضاءات – شهناز صبحي فاكوش