ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:عندما تحدثك أميركا عن الأخلاق يحق لك أن تتساءل عن أي درك وصلت, وإلى أي حضيض انقادت إذ لم يعد ينقص المنطقة إلا أن يتحفها فيلتمان بالحديث عن «الأخلاق»، وما تقتضيه، فقد شهدت في سنواتها الماضية نماذج من تلك «الأخلاقيات» التي لا تزال شظاياها تنخر في كيان المنطقة وتموضعاتها السياسية حتى اللحظة، فيما ارتداداتها تمارس سطوتها في دماء الشعوب. كلما حضر فيلتمان إلى المنطقة – شخصياً أو عبر تصريحاته – لنا أن نتخيل حجم الكارثة التي تنتظرها، فلم يأتِ يوماً إلا وكان حضوره قصفاً تمهيدياً لما هو أخطر، ولم يطلق تصريحاً وإلا وكان خلفه تحريض أميركي على الفتنة والاقتتال والتجييش أو تحضير لمخطط بدأت خطواته على الأرض. هذا هو سجل فيلتمان في السياسة الأميركية على مدى السنوات الماضية.. فما بالك عن سجلاته في «الأخلاق» على الطريقة الأميركية، لذلك حين يتحدث عن الواجب الأخلاقي في دعم المسلحين، ويطالب أدواته ورموزه في هذه المنطقة بالالتزام بذلك الواجب، فإن الأمر يستدعي الكثير من التأمل ويحتاج إلى وقفة طويلة.
في الجوهر لا تخلو تصريحات فيلتمان من لغة عتاب ل«أصدقائه» لأنهم لم يتمكنوا بعد من تأدية ما هو مطلوب منهم، وتبدو محاولة مداورة على حالة التململ التي يعيشونها والتي تعكس واقعاً مفلساً أراد من خلاله الدفع بجرعة من الدعم، ولا يغيب عن الذهن ذلك المد الذي يستنفر من خلاله بيادقه لمعاكسة الاتجاه.
وفي التفاصيل فإن فيلتمان حين يعجز عن التبرير السياسي، ويلجأ إلى التبرير الأخلاقي، فإن المعضلة أخطر مما يعتقد البعض، وخطورتها ليست فيما تستجره من هلوسات تلك المرتزقة ومراهقتهم السياسية، بقدر ما هي إحساس ضمني بخواء سياسي مما طرحه سابقاً، وعجز عن تقمص الحالة خصوصاً بعد الخيبة من تنفيذ الوعود في الاتجاهين.
ما فات فيلتمان بالتأكيد كان غائباً عن حلفائه في المنطقة وأبواقه السياسية والإعلامية ولذلك ليس مستغرباً أن يكون النداء العاجل الذي أطلقه محاولة لاستدراك ما يبدو عصياً على الاستدراك، بل ومستحيلاً في لحظة سياسية تتكشف فيها الأوراق والأطراف ويصبح كل شيء علنياً وعلى رؤوس الأشهاد.
اللافت في إطار هذه المفارقة أن الحديث عن «الأخلاقيات» يأتي من سياسي اتصف على الدوام بالمراوغة التي تستبعد من قاموسها أي رؤية أخلاقية، بل لا تعترف بحضورها، ولا تؤمن بوجودها.. وفي أغلب الأحيان حين يلجأ إليها، فإنه لجوء إفلاس لم يترك وسيلة وإلا واستخدمها.
تحت هذا العنوان يحضر المنطق الأميركي في محاباته السياسية، فيما القراءات الأخرى التي تتحدث عن تعديل في اللهجة الأميركية تبدو افتراضية، لأن التحرك الأميركي الموازي على الأرض وفي السياسة لا يشي بذلك أبداً، وفي المقدمة الجولات المكوكية في دول المنطقة لمسؤولي الاستخبارات الأميركية «وخبراء» الإرهاب.. ليتوجها فيلتمان بحديثه «الأخلاقي جداً»!!
من السذاجة السياسية أن تؤخذ المعطيات في الموقف الأميركي من إشاراتها العلنية أو المباشرة، بل لابد من التعمق في حراكها الموازي، إن كان ينسجم مع تلك الإشارات أم هو مناقض لها، وعلى ضوء ذلك يكون الاستنتاج.
ومع حضور فيلتمان إلى ساحة الحدث وتعليماته «الأخلاقية» لأبواقه لدعم ما سماهم المعارضين في سورية.. يبدو من المحسوم الجزم بأن ذلك إشارة البدء بأمر عمليات جديد سبق لفيلتمان أن أبلغه لهم.. والآن جاء وقت التنفيذ.. والأيام القادمة ستكشف تلك التعليمات..
فقد رأينا «الاخلاق» الأمريكية .. في افغانستان والعراق.. في ابو غريب وغوانتانامو والسجون الطائرة.. في موقفها من حصار غزة .. في اشمئزازها من الفيتو في مجلس الأمن!!
ربما ما غاب عنهم جميعاً.. حضر أمر العمليات أم لم يحضر.. بدأ التنفيذ أم تأجل لبعض الوقت.. أن القضية ليست رهناً بما يخططون.. ولا بما يعتقدون.. ولا بما يتوهمون.. تذكروها بالسياسة أم استعانوا ب «الأخلاق» المؤتمن عليها فيلمتان ومرتزقته و«أصدقاؤه» الجدد أو «المعتقون» منهم !! بل هي كما حددها السوريون.. ومنذ زمن بعيد.. وما اختاروه سيكون في الحصيلة النهائية الواقع الذي لابد أن يسلّم به الجميع ولو بعد حين.
a-k-67@maktoob.com