بقلم أمين التحرير- ناصر منذر :
لا يهم من سيكون ساكن البيت الأبيض الجديد بعد أيام معدودة، ربما بعض العالم يهتم، لتحديد مستوى درجة الارتهان والتبعية ولكن الأهم ماذا سيحدث بعد تحديد هوية الرئيس الأميركي الجديد، هل ستعيد الإدارة الأميركية القادمة حساباتها ومقارباتها تجاه العديد من القضايا الدولية الساخنة التي تؤججها نزعة القوة المهيمنة على عقلية المسؤولين الأميركيين بمختلف توجهاتهم السياسية والحزبية؟، منطق الأحداث الجارية يقول خلاف ذلك تماما، حيث لم يسبق لإدارة أميركية أن غلبت مفاهيم القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، ومبادئ القوانين الدولية على مبدأ القوة الغاشمة، وهذا يتضح من خلال السياسات الأميركية القائمة على مبدأ الاحتلال والسرقة والنهب، والهيمنة على كل المنظمات والهيئات الدولية لمحاولة إضفاء الشرعية على ما تقترفه من جرائم ضد الإنسانية.
تكاد لا تخلو بقعة من هذا العالم، إلا وتعاني من التدخلات الأميركية السافرة، عسكرية كانت، أم سياسية واقتصادية، أو انتهاكات فظة لحقوق الإنسان تحت شعارات الحرية والديمقراطية الزائفة أميركياً وغربياً، وغالباً ما يكون الإرهاب هو السلاح الأكثر استخداماً لهذه الإدارة أو تلك، والكثير من التنظيمات الإرهابية التي تحمل أسماء متعددة، نسمع عن جرائمها المختلفة في الكثير من الدول المستهدفة أميركياً، وسورية لوحدها، واجهت ولم تزل العشرات من تلك التنظيمات تحت مسميات مختلفة، ولكنها تخضع بالمطلق لإدارة الإرهاب الأميركية، أو لعملائها من حكومات وأنظمة إقليمية وعربية ودولية تعمل تحت أمرة القيادة الأميركية، حتى أننا خبرنا غرفاً سوداء متعددة، جمعت ضباط استخبارات من كل تلك الحكومات والأنظمة العميلة دفعة واحدة يديرون دفة الإرهاب، ويشرفون على تدريب وتسليح الإرهابيين المرتزقة.
استخدام منطق القوة الغاشمة، يشكل جوهر الاستراتيجية الأميركية الهادفة لتوسيع مروحة أهدافها الاستعمارية بما يتيح لها الاستمرار بفرض مفهوم القطب الواحد، وهي توظف الإرهاب بعناوينه المختلفة في سياق هذا الهدف، وتهيئ له المناخات اللازمة لزيادة انتشاره، وتوكل مهمة رعايته واحتضانه للأنظمة المرتهنة لمشروعها التوسعي، وأحيانا تخلق له كيانات خاصة لهذا الغرض، نلاحظ ذلك في الكثير من النماذج في أماكن متعددة في العالم، ميليشيا “قسد” العميلة هي تجسيد واضح لمثل تلك النماذج، وجرائمها الموصوفة والمتعددة بحق أهالي منطقة الجزيرة، لا تخرج عن سياق أهداف المحتل الأميركي في تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، لضمان تكريس كيان إرهابي في تلك المنطقة، يكون موازياً للكيان الصهيوني على أراضي فلسطين المحتلة، وكذلك نظام أردوغان يعتبر نموذجاً آخر يرعى الإرهاب، ويدير وجهته وفقاً للمصالح الأميركية، ولاحظوا كيف يستثمر هذا النظام بجرائم مرتزقته الإرهابيين في سورية، ومرة يرسلهم إلى ليبيا، ومرة أخرى إلى العراق، واليوم إلى إقليم ناغورني كراباخ، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن فصله عن أهداف المشروع الصهيو-أميركي في هذا الجزء من العالم، خاصة وأن نظام اللص أردوغان يلتقي مع الكيان الصهيوني في معظم مناطق الحروب العدوانية التي تشعلها الولايات المتحدة.
النظام الأميركي، وبغض النظر عمن يديره، ليس بوارده على الإطلاق تغيير سلوكه العدواني، أو التعاطي مع الأحداث الدولية الساخنة بمنطق مختلف، حيث سمات الغرور والغطرسة تتغلغل في شرايين القائمين عليه، ولا يمكننا أن نتخيل إمكانية جنوح هذا النظام نحو الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية على سبيل المثال، أو توقفه عن دعم الإرهاب، أو تخليه عن منهج العقوبات الجائرة بحق الكثير من الشعوب التي تناهض سياساته، أو حتى جنوحه باتجاه إحلال الأمن والاستقرار الدوليين، فهذا النظام يقتات في الأصل على حساب حياة الشعوب وأمنها، والسبيل الوحيد للتخلص من السياسات العدائية لهذا النظام، هو التكاتف الدولي لإيجاد آليات رادعة تضع حدا لهذا التسلط الأميركي على قرارات الدول ومقدراتها، وهذا ممكن بحال تخلت الدول التابعة عن ارتهانها لمصلحة أمن واستقرار شعوبها أولاً، ولمصلحة السلام العالمي ثانياً.