الثورة أون لاين- فؤاد الوادي:
تبوح استطلاعات الرأي الأميركية بكثير من المؤشرات والأسرار التي تعري وتكرس تلك (الديمقراطية العرجاء) التي تنتهجها الولايات المتحدة مع الأميركيين، كامتداد لديمقراطيتها الجوفاء والخرقاء التي تمارسها على الصعيد الخارجي.
فكل الاحتمالات والخيارات فيما يتعلق بانتخاب الرئيس الأميركي المقبل موضوعة على الطاولة الانتخابية في دهاليز ما يسمى الدولة العميقة في أميركا، وبما يحاكي ويناسب الاستراتيجية الأميركية، سواء أكان ذلك على المستوى الداخلي أم على المستوى الخارجي، في ظل المآزق والإخفاقات الكثيرة التي عرقلت التقدم المطرد لتلك الاستراتيجية في مناطق عديدة من العالم، والتي كان لترامب دور كبير فيها بسبب تورمه وتهوره وحماقاته الكثيرة والمتكررة.
لكن سياسة ترامب تلك وبرغم أخطائها الكثيرة وما سببته للشعب الأميركي من كوارث وما جلبته لعموم شعوب المنطقة والعالم من ويلات ومصاعب، كانت من منظار ( الدولة العميقة) الأكثر حصاداً ووفرة للولايات المتحدة، على اعتبار أنها حرقت مراحل كثيرة في تقدم المشروع الصهيو-أميركي على الأرض، خاصة فيما يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، وتقوية نفوذ وحضور الكيان الصهيوني وتسهيل تغلغله وتمدده في كثير من الدول، وصولاً نحو إقامته علاقات تعاون وتشارك معلنة مع عدد من الأنظمة في المنطقة، كل هذه الأمور كانت بمثابة (إنجازات) تاريخية لترامب دعمتها الدولة العميقة وأشادت بها، ولا يمكن أن تضعها على رف الذاكرة والنسيان، بل على العكس من ذلك، فإنها قد تكون بوابة العبور لترامب لولاية ثانية، دون أن ننسى المليارات التي حصدها ترامب للخزينة الأميركية على شكل صفقات أسلحة بذريعة حماية بعض الأنظمة في المنطقة.
ترامب المكروه من الشعب الأميركي بسبب سوء إدارته للأزمات الداخلية، ولاسيما تعاطيه غير المبالي مع جائحة كورونا، حيث كان الرصيد الأميركي من الإصابات والوفيات هو الأكبر عالمياً، قد يتصدر الانتخابات الأميركية بغض النظر عن استطلاعات الرأي أو حصوله على أصوات أقل أو أكثر من منافسه، ما دامت الدولة العميقة (بمراكز القوى واللوبيات والشركات الرأسمالية الكبرى) التي تضع السياسات وترسم الاستراتيجيات راضية عنه، فهي التي تقرر في نهاية المطاف بعيداً عن الصندوق الانتخابي والديموقراطية المزعومة من سيكون رئيساً لأميركا.
فالدولة العميقة هي التي تمول الحملات الانتخابية للرئيس الأميركي الذي وقع عليه الاختيار، وهي من تفرض قرارها في نهاية المطاف، ولا أحد يملك خيار أو قرار معارضتها، فهي كوكتيل من لوبيات المال والإعلام والسلطة والاقتصاد والسياسة التي يتغلغل اللوبي الصهيوني داخلها، وهي تعتبر ترامب أحد رجالاتها بعد أن حقق للكيان الصهيوني ما لم يحققه أي رئيس أميركي، وبالتالي ليس مستغرباً أن يتم التجديد له لولاية ثانية بقرار إسرائيلي بغض النظر عن إرادة الأميركيين !!.
صحيفة ( الواشنطن بوست ) الأميركية نشرت في التاسع عشر من شهر تموز عام 2010 تحقيقاً صحفياً، تحدثت فيه عن قدرة الدولة العميقة على اختيار الرئيس الأميركي بعيداً عن الصندوق الانتخابي، وهذا يكون خلف الكواليس وأمامها وعبر ممارسة الضغوطات والتهديدات على المؤسسات المسؤولة عن هذا الأمر، خاصة الهيئة الانتخابية التي تحدد في اللحظات الأخيرة من هو المرشح الفائز، وهذا ما يجعل من الديمقراطية الأميركية مجرد لعبة أو مسرحية تصدر للعالم، ومن خلالها تنفذ أميركا مشاريعها ومخططاتها الاحتلالية والاستعمارية، فما يحكى عن الديمقراطيات وحقوق الإنسان الأميركية، مختلف تماما عن الواقع الذي يدار بعقلية براغماتية محضة تحاكي النشأة الأولى للولايات المتحدة التي قامت على المجازر وقتل أصحاب الأرض، وتلك التي قدمت مصالح الطبقة الرأسمالية على مصالح حقوق المواطن الأميركي وقيم المواطنة.
إن مراقبة استطلاعات الرأي الأميركية لتوقع أو تحديد هوية الرئيس المقبل للولايات المتحدة، بات أمراً لا يجدي نفعاً، في ظل المعطيات والوقائع التي سردناها آنفاً، لاسيما وأن كلا المرشحين باتا عاريين تماما أمام الجميع، للأميركيين من جهة، وللعالم من جهة أخرى، فبايدن الذي يحاول الوصول إلى البيت الأبيض على حساب ترامب، يبدو خالي الوفاض من أي برامج انتخابية مؤثرة تؤمن له النجاح والوصول إلى سدة الرئاسة، لأن رصيده حالياً محصور بالأخطاء التي وقع فيها ترامب، والتي ربما تكون هي نفسها رصيد ترامب للفوز في دولة مثل أميركا، وهذا ما دفع الأخير ليكون صهيونياً أكثر مما هو أميركياً، باعتبار الصوت الانتخابي للوبي الصهيوني هو الأكثر تأثيراً وحضوراً في الانتخابات الأميركية.