الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
على مسافة أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في الثالث من الشهر القادم، عاشت الولايات المتحدة أجواء آخر مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الرئيس الحالي دونالد ترامب ومنافسه “الديمقرطي “جو بايدن، وقد تميزت هذه المناظرة عن سابقتها بسيطرة مديرة الجلسة كريستين ويلكر على الموقف بتهديدها باستخدام زر إغلاق المايكروفون أمام المرشح إذا تجاوز حقه في الحديث، في إشارة مبطنة لترامب الذي قاطع منافسه في المناظرة السابقة نحو سبعين مرة، وعلى عكس المناظرة السابقة التي حفلت بالاتهامات الشخصية والهجوم الكلامي العنيف والقتالي من قبل ترامب على خصمه، فقد تركزت محاور هذه المناظرة على مواضيع أكثر أهمية بالنسبة للأميركيين كانتشار فايروس كورونا وقضايا الهجرة والعنصرية والتغير المناخي والضرائب الشخصية غير المدفوعة والفساد، لكنها بالطبع لم تخلُ من بعض الاتهامات الشخصية التي وجهها كلا المرشحين لبعضهما.
وعلى عكس رغبات الحملة الانتخابية لترامب التي شكت من عدم تركيز المناظرة على “إنجازاته الخارجية” في الشرق الأوسط، فقد شغل فايروس كورونا الذي يجتاح أميركا ويشغل بال الأميركيين حيزاً مهماً من المناظرة، حيث ركز بايدن على فشل منافسه في معالجة الجائحة مذكراً إياه بعدد الضحايا الأميركيين (أكثر من 220 ألف وفاة)، في حين حاول الأخير التهرب من المسؤولية والفشل بادعاء أن الأميركيين باتوا يتعايشون مع الفايروس وأن اللقاح سيكون متوفراً في غضون أسابيع قليلة، محاولاً الترويج لقوة الأدوية الجديدة التي تناولها أثناء إصابته بالمرض، ومتفاخراً بالمناعة التي بات يملكها، ومن المعلوم أن جهات صحية أميركية نفت إمكانية التوصل إلى لقاح آمن قبل منتصف العام القادم.
كما شهدت المناظرة التي ضبطتها مديرة الجلسة وسيطرت عليها إلى حد كبير، تبادلاً للاتهامات بخصوص قضية العنصرية والحقوق المدنية والعرق في الولايات المتحدة، حيث قال ترامب: “أنا أقل شخص عنصرية في هذه الصالة”، ويقصد الصالة التي جرت فيها المناظرة، وهاجم بايدن بشأن تبنيه لمشروع قانون قاسٍ لمكافحة الجريمة في عام 1990 أدى إلى ارتفاع حاد في عدد الأميركيين الأفارقة في السجون، وبدا هجومه أكثر فعالية، عندما تحدث بايدن عن مقترحاته للإصلاح، فتساءل ترامب لماذا لم ينجز نائب الرئيس (بايدن) أكثر في هذا الصدد عندما عمل مع الرئيس باراك أوباما، فرد عليه بايدن بأنه “واحد من أكثر الرؤساء الأميركيين عنصرية في التاريخ الحديث”.
وفي قضية الهجرة التي اتخذ ترامب منها نهجاً متشدداً خلال حملته الانتخابية وصولاً إلى ولايته الرئاسية، حاول الدفاع عن قرار إدارته بفصل الأطفال الذين لا يمتلكون وثائق ثبوتية رسمية عن آبائهم، غامزاً من قناة إدارة سلفه أوباما التي – حسب تعبيره- آوت المهاجرين القصّر القادمين من دون مرافقين في منشآت احتجاز أطلق عليها اسم “أقفاص”، فرد عليه بايدن، بأن الأطفال الذين احتجزهم ترامب قد جاؤوا برفقة ذويهم، وأن هذه السياسة جعلت من الولايات المتحدة في “موضع سخرية”، ولم يجد ادعاء ترامب بأن الأطفال تلقوا “عناية جيدة في منشآت نظيفة جداً” تأثيراً له قيمة في النقاش حول مشاكل الهجرة.
وإضافة إلى المواضيع السابقة كان موضوع التغير المناخي وكذلك قضايا الطاقة وفاعلية الطاقة المتجددة حاضرين بقوة في المناظرة، حيث طالب بايدن بضرورة الطاقة المتجددة بدل النفط خلال فترة زمنية قصيرة للوصول إلى درجة صفر في انبعاث الغازات المسببة للتغير المناخي، بينما تعهد ترامب بمواصلة دعمه لاستخدام الفحم والنفط واصفاً الولايات المتحدة بأنها مستقلة في مجال الطاقة، أي تعتمد على مصادرها الذاتية في إنتاجها.
وأجاب بايدن عندما سأله ترامب “هل ستغلق الصناعة النفطية؟”: “نعم سأنتقل من الصناعة النفطية لأن الصناعة النفطية تتسبب بتلوث كبير”، في حين حاول ترامب استثارة عواطف سكان الولايات النفطية كتكساس وبنسلفانيا وأوكلاهوما وأوهايو ، بالقول: “إن خلاصة ما يقوله بايدن أنه سيدمر الصناعة النفطية”.
في موضوع الفساد لجأ ترامب للتركيز كثيراً على بايدن ونجله، زاعماً أن الأخير قد استفاد شخصياً من صفقات ابنه التجارية مع أوكرانيا والصين، وأن هذه المعلومات أُخذت من الحاسوب المحمول لهنتر بايدن، وكلام ترامب حول هذه المسألة رد عليه بايدن بنفي مطلق، ثم اتبعه باتهام ترامب بالتهرب الضريبي، وإقامة صلات تجارية مع الصين.
وفي العموم كانت المناظرة أكثر انضباطاً من سابقتها حيث نجحت مديرتها بضبط إيقاعها إلى حد كبير، غير أن نقاشاتها لم تؤثر في استطلاعات الرأي التي لا يزال بايدن يتصدرها بفارق مريح في بعض الولايات وبفارق بسيط في عدد من الولايات المتأرجحة وبعد يوم من المناظرة قال بايدن خلال كلمة ألقاها في مسقط رأسه بمدينة ولمنجتون بولاية ديلاوير: “لقد تخلى عن أميركا. إنه يريدنا فقط أن نشعر بالخدر..”لن أغلق الاقتصاد، لن أغلق البلاد، سأقضى على الفيروس”.
وسخر ترامب خلال تجمعين في ولاية فلوريدا المتأرجحة من بايدن لقوله في المناظرة إن الولايات المتحدة تدخل “شتاء مظلماً”، وأعاد التأكيد:”سننهي هذا الوباء بسرعة”.
في غضون ذلك وبينما لم يتبق سوى 11 يوماً على الانتخابات قال مدير مشروع الانتخابات بجامعة فلوريدا إن أكثر من 53 مليون أميركي صوتوا بالفعل فيما يعد وتيرة قياسية، وقال مايكل ماكدونالد الذي يدير المشروع إن الانتخابات يمكن أن تسجل رقماً قياسياً جديداً في نسبة الإقبال متجاوزة نسبة المشاركة التي بلغت 60 في المئة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ويشير زيادة التصويت المبكر إلى الاهتمام الكبير بالسباق وحرص الناس على تجنب خطر التعرض للإصابة بكوفيد-19 خلال حشود يوم الانتخابات، ويحد التصويت المبكر الضخم من فرص ترامب لتغيير الآراء قبل انتهاء التصويت