الثورة أون ﻻين – آنا عزيز الخضر:
فنون وآداب لكل منها مفرداتها وأدواتها.. لكل منها عناصرها الجمالية وعوالمها، وسط إشكاليات عديدة ارتبطت دوماً بالقضايا الثقافية والمشهد الثقافي والأزمات التي تتلازم معه لأسباب عدة.
اختلفت وجهات النظر عند تحول النص المسرحي إلى عرض، ومن الكتاب من يراه أدباً يمتلك متعة تتغلغل عميقاً في النفس، وآخر يراه بجماليات لا تكتمل إﻻ عند تحوله الى عالم المسرح كعرض له فرجته البصرية الخاصة، وبالتالي نصه غير قادر على مضاهاة العرض..
آراء عديدة في هذا السياق، ولأدباء وقرَّاء وكتاب كان أولهم:
الكاتب: أحمد علي هلال
“ترتبط قراءة المسرح المكتوب بجملة من الخصائص الأسلوبية والتقاليد القرائية، التي تقوم على التأمل والتنقل بالأحداث والخيال والأفكار، دون قيد من منظومة العرض واشتراطاتها الأرسطية كما هو معروف، فبعيداً عن إشكالية النص المسرحي المقروء أي ما بين الفكرة والتجسيد الدرامي أقول، ثمة ارتباط عضوي لدي بذاكرة القراءة المسرحية، نعم قرأت المسرح المكتوب بدءاً من الكلاسيكيات الشكسبيرية التراجيديات والمآسي الكبرى التي شكلت المهاد لقراءة النص المسرحي في أبعاده وقضاياه وجمالياته الأثيرة، جماليات ملاحمه لكن ذلك، ما عزز فتنة التلقي لدي للنصوص المسرحية التي كتبها كتاب أفذاذ من أمثال غسان كنفاني في (القبعة والنبي والباب)، وكذلك سعد الله ونوس في (منمنمات تاريخية) فضلاً عن غيرها من أعماله المسرحية المكتوبة، وصولاً إلى ما كتبه المسرحي السوري داود أبو شقرة في عمله المسرحي الأخير (سقراط) بعد سلسلة من نصوصه التي جسدها العرض وكانت استحقاقاً فنياً وفكرياً بآن معاً، وكذلك قرأت مسرحيات المسرحي جوان جان ومنها على سبيل المثال (حكاية المولود الجديد)، وهو كتب العديد من المسرحيات التي جُسدت على الخشبة مثل (نور العيون) وغيرها. في زمن القراءة تستدعي الذاكرة ما كتبه توفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير، وعلى المستوى العالمي هناك اختيارات بالأخص من المسرح السويدي (ترمينال).
إذاً، ثمة خصائص أسلوبية وفكرية وأدبية مثلت لدي متعة في استحضار الرموز وجدلية العنصر الفكري الجدلي الفلسفي، على الرغم من أن ثلة من النقاد قد تباينت رؤاهم في توصيف المسرح المقروء، ليذهبوا للقول بأن المسرح المقروء هو المسرح الذي لا تتطور شخصياته أو مواقفها، وتعتمد على الحوار دون عناية بالحركة المسرحية، وأكثر الآراء جدلاً رأت بأن العمل المقروء كُتب للقراءة لا ليُمثل على منصة المسرح، لتشير تلك الآراء إلى الأبعاد المعرفية والنفسية والحوارية في المقروء، فقراءة المسرح المكتوب يحيلنا إلى زمن القراءة بكل ما انطوت عليه الكلمة من معنى، وربما مسرحية (إعدام) التي أعدها للمسرح الفنان زيناتي قدسية عن نص للمسرحي الروسي (غريغوري غورين)، مثلت هذه الجدلية ما بين النص المقروء والنص المعروض، أي في التأثيث البصري للمسرح وطبيعة الأداء والتمثيل وطريقة الاتصال، ذلك أن العرض أساسه التكامل ليتواصل مع المتلقي وفق رؤية فنية وجمالية، لأن العرض هنا في ثنائيته (نص وعرض) مازال طقساً جماعياً يعزز الحاجة إلى تحويل النص المطبوع إلى عرض مسرحي يرسخ هذه المنظومة بتطوير آليات التلقي في المسرحية المقروءة.
يمكن الحديث هنا، عن استثمار التطورات الحاصلة في نظريات الإخراج المعاصرة، وتطويع النص المسرحي لمقتضيات الأداء الدرامي، فمن ذاكرة القراءة إلى ذاكرة العرض يصبح النص أكثر امتلاء وامتلاكاً لخاصية التلقي، بعيداً عن أرضنة النص وتحويله من نسق معرفي إلى نسق معرفي آخر، فإن العلاقة ما بين المسرح المكتوب يصبح على الخشبة أكثر استدعاءً لجدلية العرض ومقوماته الأخرى (التقنية والجمالية)، إذ الخيال هنا هو الصورة الكلية للقراءة وأفعال الثقافة إذ إن غاية ما يبحث عنه المرء هو النص المثقف.
نعم أفضل ذلك التكامل ما بين النص المقروء والنص الممسرح، ويكفي أن نعود إلى ما أنجزه المسرح القومي في سورية من عروض، ظلت في ذاكرة التلقي طويلاً، صحيح أن للقراءة خاصيتها بوجود الخيال، لكن العرض يعطي الصورة الكلية لدور المسرح وعلاقته الحيوية بالجمهور، فلا يعود الكاتب وحده مؤلف النص إذ ثمة تأليف جماعي بالحركة والضوء والحوار كما سائر التقنيات المعروفة.
إذاً، لكل من المسرح المكتوب أم المجسد على الخشبة خاصيته المختلفة نسبياً، لكنني أفضل أن يكون ثمة تكامل بينهما، لحاجتنا المعرفية المستمرة للمسرح من النص إلى الخشب في زمن مختلف تتسارع فيه الحياة كما أدوات التواصل، بما يعني جدارة النص المعروض باستحقاق النص المقروء”.
المخرج والكاتب: راني ابو عيسى
سؤال واسع ولابد من التفنيد ما بين المسرح والسينما والسبب: الاثنان يعتمدان على الرؤيا البصرية والحسية للمشاهدة بنسب مختلفة.
في السينما يعتمد المخرج على العنصر البصري للمشهد كجمالية تعتمد على عدة عناصر منها حركة الكاميرا. تعابير وجه الممثل.. الإضاءة والمؤثرات الموسيقية..الخ… لدرجة أنه في بعض الأفلام تشاهد لوحة فنية قد تستطيع في بعض الأحيان تنسيك الحدث الدرامي لقصة الفيلم، أي سرقة الحدث الدرامي على حساب المشهد البصري كما حدث بفيلم (one upon a time in hollywood) من إخراج العبقري كونتين تارانتينو
أما بالمسرح فالاعتماد على العنصر البشري أكثر من العنصر البصري لأن الممثل هنا مطالب بالحد الأدنى، وهو يتبنى الشخصية التي يؤديها وتوظيف أدواته كممثل جسدياً و نفسياً، وأنت كمشاهد عليك أن تحكم على أدائه نسبياً حتى لو كنت في آخر مقعد بالصالة، فبالدرجة الأولى هو كممثل مطالب بمشاركة إحساسه معك، وبالدرجة الثانية يأتي العنصر البصري من إضاءة مؤثرات بصرية موسيقى مكياج والخ… كرديف لإيصال رؤية المخرج والارتقاء بالذائقة الفنية للوصول إلى متعة الفرجة المسرحية.
بخصوص، هل تقرأ مسرحا مكتوبا أم تفضله على الخشبة؟.
تعداد سكان الكرة الأرضية أكثر من 7 مليارات شخص، وإن قرؤوا جميعاً نفس المسرحية، فلكل شخص رؤيا نتقارب ونتباعد معه ببعض النقاط، لذلك أفضل قراءة النص على مشاهدته مسرحياً.
وكمخرج مسرحي، عندما أقرر عمل أي نص، يجب الأخذ بعدة أمور وأهمها، أن يكون النص أقرب إلى الواقع بغض النظر إن كان تاريخياً أو معاصراً، فالمهم هو الإسقاطات على الواقع المعاش، ومع احترامي الكامل لكافة النصوص المسرحية الأسطورية، إن لم تكن مشابهة لنا فهي بعيدة عنا لا طائل من عرضها سوى الاستعراض، والبعض يعتبرها مسرح النخبة.
المسرحي والممثل والمخرج: غسان الدبس
هناك نصوص تستمتع بها، ولكن إن قدمت مسرحياً تسقط المتعة. أي ان هناك نصوصا للاطلاع، وهناك نصوص للعرض وتكون أجمل من قراءتها.
أكيد أدب، ولكل تذوقه الخاص في الادب، ومن يتناول الأدب المسرح أعتقد أن خياله وذاكرته لا تهرم، فالخيال يشتغل بصورة تخيلية حركية فعلية، بينما بالرواية أو القصة، فإننا نسرع بالأحداث لنمسك النهاية أو الخاتمة، بينما بالمسرح نتقاتل مع الشخصيات وتتشمل لدينا آليه صورة مكونة من كل عناصر العرض المسرحي. أعتقد ذلك.
القاصة: سوزان الصعبي
المسرح.. يا لهذا العزيز الغافي، لقد اشتقنا له كاشتياقنا إلى الأصدقاء البعيدين. تفاصيل كثيرة دافئة كانت تمتلئ بها جعبة أمسياتنا، بدءاً من التجمهر بانتظار أن يبدأ العرض، ثم تلك اللحظات المعتمة في الصالة، ثم يتحرك عقرب الوقت مع الكلمة الأولى أو النغم أو البكاء أو الصراخ الأول في المسرحية، ونصير كلنا عيوناً وآذاناً صاغية.
ذكريات جميلة عشناها كمحبي المسرح، فالحالة الثقافية والاجتماعية التي يقدمها في الصالة، تمتلك جاذبية كبيرة بالنسبة إلى الكثيرين، خاصة حين تتضافر جهود الكاتب مع المخرج والممثلين والفنيين.
أما عن المسرح السائر بين دفتي كتاب، فله أيضاً جمالياته. إنه يفتح للخيال نوافذ شاسعة، يصير القارئ يتخيل وجوه الشخصيات وحركاتها وانفعالاتها والأمكنة وغيرها، وكذلك قد يتفوق الكتاب على الخشبة ببعض الأمور، ومنها إمكانية استعادة المشهد وقراءته كما يحلو للقارئ.
بالنسبة إلي، لا أفرق بين مسرح عربي وعالمي، بل بين الجيد والمؤثر والعميق من جهة وبين العادي السطحي من جهة أخرى، وأحب كثيرا كل ما كتبه “سعد الله ونوس” وخاصة “حفلة سمر من أجل ٥ حزيران” ..