التوثيق إرث ثقافي للأجيال

 الملحق الثقافي:رشا سلوم:

الذاكرة ليست كل شيء، ولا يمكن أن تكون خزان المعلومات الذي لا يصيبه النقص أو الجفاف، هي من الأهمية بمكان لكنها ليست كل شيء، لذا كان لابد من عمل يقودنا إلى خزن وحفظ ما نعمله ونقوم به، فكانت الكتابة التي تفرعت إلى علوم كثيرة، أحدها التوثيق الذي تطور ليصبح علماً مهماً في مختلف النواحي، هو وثيقة شخصية، وهو هوية، وهو علم ومعرفة، واسترجاع معلومات وتقاطعها، وكان الأرشيف الذي لابد منه في كل مؤسسة، مهما كان عملها، خزان المعرفة الصامتة الذي نحتاجه في أي لحظة، وحتى يذهب بعض العلماء إلى أن جسم الإنسان هو أيضاً ذاكرة وأرشيف وتوثيق حتى بعد رحيله.
وهنا نشير إلى أن سورية سباقة في هذا الأمر، لاسيما في مركز الوثائق التاريخية، وما تقوم به مكتبة الأسد، إضافة إلى الكثير من أقسام الأرشيف في المؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية.
تأسس مركز الوثائق التاريخية في الرابع من نيسان سنة 1959 بموجب القرار رقم 29 القرار الصادر عن وزير الثقافة والإرشاد القومي للجمهورية العربية المتحدة، والقاضي بإنشاء مديرية الوثائق التاريخية وإلحاقها بالمديرية العامة للآثار والمتاحف.
اتخذ المركز مقراً له في بناء بساحة الشهبندر بدمشق. أما موقعه الحالي ففي بيت تاريخي أثري كان منزلاً لرئيس وزراء سورية السابق السيد خالد العظم. ويهتم المركز بجمع الوثائق كافة التي تتعلق بتاريخ الجمهورية العربية السورية بشكل خاص، والقضية العربية في النصف الأول من القرن العشرين، ويعمل على تنظيمها، وفهرستها، وحفظها، وترميمها، ومن ثم إتاحتها للباحثين والمهتمين من كافة أنحاء العالم. ويعمل المركز على تحقيق أحد أهم أهدافه في الحفاظ على ذاكرة الأمة.
يستقبل المركز الباحثين والمراجعين من عرب وأجانب. من طلاب الماجستير، الدكتوراه، الباحثين المستقلين، والمهتمين، ويسمح لهم بالاطلاع على الوثائق التي تتعلق بأبحاثهم. والمراجعة مجانية لكافة المراجعين.
من يراجع تاريخ العرب من كتاب الأغاني إلى كل الكتب والمعاجم، فسوف يجد أهمية التوثيق والتدوين. اليوم نحن بحاجة ماسة إلى توثيق كل شيء. والتوثيق كما يقول الدكتور سعيد أبو دية صار علماً ناضجاً تفرع إلى آلاف العلوم، بطرق مختلفة، قد تكون الشيفرات بعضها، أو ما أسماه العرب (التعمية).
وحسب أبو دية: وفي عصرنا الحاضر، لا يمكننا تصور وجود جامعة أو مصنع أو مدرسة، أو أي مؤسسة أخرى، من دون تنظيم للوثائق والأوراق الخاصة بأنشطتها وأعمالها.
أما فيما يتعلق بالأوروبيين، فقد تنبهوا إلى أهمية التوثيق منذ مطلع القرن العشرين. واستخدم الباحث بول أوتلت مصطلح “التوثيق” عام 1905 في مؤتمر اقتصادي عالمي. كما استُخدًمَ المصطلح نفسهُ بعد ذلك في هولندا عام 1920 حين أُطلق اسماً على مركز بحوث. ثم جاء الرواد الإنجليز وبدأت تعريفات “التوثيق” تظهر وتُؤلف الكتبُ عنها.
جزء من الثقافة
لقد أصبح التوثيق جزءاً من الثقافة عند رجال الإدارة. فـ “غلوب” كان يحث الضباطَ العرب على تدوين تجربتهم في حرب 1948 يومياً، قائلاً لهم: إن الإنسان ينسى. ولاحظت أن هذه الثقافة في التدوين أصبحت واجباً يومياً تقوم به زوجة المسؤول: مثلاً (سندرسن باشا)، طبيب العائلة المالكة في العراق وهو بريطاني، كان أحياناً لا يجد وقتاً لتدوين يومياته، وكانت زوجته تقوم بتلك المهمة نيابة عنه إذا انشغل زوجها عن الكتابة.
وقد جمع تشارلز جونستون، سفير بريطانيا في الأردن خلال الفترة 1956 – 1960، رسائله التي أرسلها إلى أهله في كتاب مهم بعنوان الأردن على الحافة يُعد مرجعاً لأحداث تلك الفترة الحاسمة.
فالتوثيق، إذاً، مؤشر على الاهتمام والجد، وعلى أهمية التعامل مع المعلومة، وعلى الصدقية والالتزام بالكلمة.
وهنالك فرق بين موظف يدوّن معلومة وآخر يعتمد على الذاكرة. فالأول أحرص على التنفيذ من الثاني: ونحن نثق بالأول وبقدرته أكثر من الثاني. أخيراً، لا شك أن تقديمَ كراسة للقراء عن التوثيق بطريقة ميسرة قد يُساعد على نشر ثقافة الاهتمام والوعي بهذا الموضوع الحيوي.

التوثيق عبر العصور
قبل الحديث عن التوثيق في أيامنا، كما يقول أبو دية: أود الإشارة إلى شيء عن الأهمية التاريخية لهذا الموضوع، وكيف أن التوثيق كان أمراً متعلقاً بصميم حياة الشعوب. فالحاجة إلى التوثيق تتنامى مع اهتمام الشعوب ببناء دولها. وهذا ما سنلاحظه في الصفحات الآتية كسمة من سمات حياة الدول العربية في عصورها المختلفة: بما في ذلك العهود الراشدية والأموية والعباسية، وعلى نحو يُغاير ما هو الوضعُ عليه الآن. لقد كان التوثيق والتدوين جزءاً مهماً من ثقافة العرب الذين عرفوهما معاً ومارسوهما.
الاهتمامات الحديثة بالتوثيق
يُعد عام 1931 عاماً مميزاً في التوثيق على مستوى أوروبا والعالم: فقد غُيرَ فيه اسمُ المركز الدولي للببليوغرافيا في بلجيكا إلى المركز الدولي للتوثيق.
بدأ الاهتمام بالتوثيق في أوروبا، خصوصاً بلجيكا وهولندا: ثم انتقل إلى الدول الناطقة بالإنجليزية. وقدم لنا أحد الرواد، وهو بادفورد، كتاباً عن الموضوع عام 1948 سماه التوثيق، ونشرت طبعته الثانية في واشنطن. وفي هذا الكتاب يبين المؤلف أن التوثيق هو جمعُ المعلومات وتصنيفُها وجعلُها في متناول اليد، وسهولةُ العودة إليها.
لكن قيل إن بول أوتلت عام 1905 كان أولَ من استخدم المصطلح في مؤتمر اقتصادي: ثم عاد في الثلاثينيات ليعرفه بأنه جمعُ المعلومات وتطويرُها وتخزينُها واسترجاعُها وتوزيُعها.
عرف العرب التوثيق في نواح كثيرة من حياتهم، أكانت سياسيةً أم عسكريةً أم غيرَ ذلك. وليس من المبالغة في شيء القول إن التوثيق كان في أرقى درجات الصحة والضبط والشروط الموضوعية.
ليكن الماضي نقطةَ انطلاق واستشراف للمستقبل. وحاضرُنا اليوم أصبح على درجة من الاختلاف والتنوع والتعقيد أكثر مما مر على أمتنا طوال تاريخها.
إن الوثائقَ وعملية التوثيق لا تقتصر أهميتها وفائدتها على تسجيل الوقائع والأحداث: وإنما تتعدى ذلك لتكشفَ أيضاً طبيعة الأنظمة السياسية وحركة الشعوب والمؤشرات التي تخضع لها، ولتقدمَ الحلولَ المرجوةَ لمشكلاتها.
وحتى أقل الوثائق قيمة في الظاهر قد تكشف أبعاداً إنسانية واجتماعية لم نكن نتوقعها. على سبيل المثال، فإن تدوين حقوق الإنسان في وثيقة دولية أسفر عن أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلسة يوم 10 ـ 12 ـ 1948.
وجاء ذلك الإعلان في ثلاثين مادة دونت تلك الحقوق التي يمكن الاعتراف بها للفرد باعتباره إنساناً: كحق الحياة وحق الحرية وحق المساواة وحق التملك وحق التعليم… إلخ.
وكان لهذا الإعلان قيمة كبيرة باعتباره أولَ وثيقة دولية رسمية سُجلَت فيها حقوقُ الإنسان. صحيح أنها لا تحمل صفةَ الإلزام: لكنها كانت بداية الإلزام للدول في الاتفاقات التي وُقعَت عام 1966.

التاريخ: الثلاثاء27-10-2020

رقم العدد :1018

 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها