الملحق الثقافي:زاهد شاه سواروف:
حَرٌ شرقي حارق حلَ على الشام قبل أوانه (أهل مدينة دمشق يدعونها «الشام»، وأحد معاني دمشق يعني «الدم الأخوي». فبحسب قصص الإنجيل المقدس، قام قابيل بقتل أخوه هابيل هنا على جبل قاسيون – وبسبب هذه الجريمة الأخوية سميت المدينة بهذا الاسم).
على الرغم من أن الربيع مازال زائراً في الحدائق، إلا أن درجة حرارة الهواء وصلت إلى خمسة وأربعين درجة.
بدأت الحياة تعود لمجاريها بعد تلك الحرب القاسية والمأساوية، ففي شارع أبو رمانة حيث أسكن، كانت الحياة اليومية تعود أيضاً، وعلى امتداد الشارع حيث تتوضع المحلات والأكشاك ومحلات الحلويات الشرقية والمقاهي والمطاعم التي كانت تعمل بوتيرتها المعتادة.
فمنذ تلك الأيام، وما حصل هنا قبل خمس سنوات – حيث كثيراً ما دوت الانفجارات اليومية والصواريخ وقذائف الهاون التي كانت تهوي من أماكن مجهولة وتدمر وتخلف المأسي – يمكن القول بأنه لم يبقَ لها أي أثر، وهذا ما يؤكده صخب الأطفال الذين يلعبون.
ولكن.. محل الأزهار كان مغلقاً، فلم يفتح أبوابه منذ ذلك اليوم المشؤوم.. طفلة في الثامنة من عمرها عادت من المدرسة، ألقت حقيبتها المدرسية جانباً وهرعت إلى والدتها معانقة رقبتها ومقبلةً إياها بشدة وبقوة أكثر، مهنئة إياها بعيد ميلادها.
تناولت كل النقود، التي وفرتها خلال العام، وقفزت إلى الشارع راكضة إلى محل الأزهار القريب من المنزل. انتقت لوالدتها الورود الجورية الحمراء المفضلة لديها، ومدت النقود المخبأة في يدها الصغيرة إلى البائع… إنما دوي قذيفة هائل قريب أوقف كل شيء.. كل شيء. المكان كان يحترق، وتتعالى الصرخات من داخل الدخان، وعمت الضوضاء إلى عنان السماء.
الشظايا المتطايرة أصابت الطفلة والبائع إصابة مميتة. طارت الأخبار إلى الأم التي ألقت بنفسها من الطابق الخامس، معتقدةً، على الأرجح، بأنها الطريقة الأسرع للوصول إلى ابنتها.. في ذلك اليوم لبست «الشام» ثوب الحداد مشيعة إياهم إلى مثواهم الأخير.
مرت الأيام وعادت الشام إلى حياتها المعتادة.. لكن محل الأزهار كان مغلقاً.
في هذا العام حل الحر قبل أوانه، إنما لسبب ما كنت أشعر بالبرد في هذا الحر!
رفعت رأسي ونظرت إلى أشعة الشمس النارية، وهيئ إلي بأنها اليوم تشعر بالبرد.
التاريخ: الثلاثاء27-10-2020
رقم العدد :1018