الفيلم الوثائقي تجسيد صادق للواقع

 الملحق الثقافي:سلام الفاضل:

قد نطالع كثيراً على شاشات العرض السينمائية والتلفزيونية أفلاماً ترد تحت مسمى (الأفلام التوثيقية أو الوثائقية). وهنا قد يتساؤل أحدنا، وهل تختلف الصبغة العامة التي تلون هذه الأفلام عن تلك التي تتلون بها الأفلام الدرامية، أو البوليسية، أو سواها؟ وما هو تعريف الفيلم الوثائقي؟ ومن هي الشريحة المستهدفة عند إنتاج هذه الأفلام؟ وما الآليات أو الأدوات التي تُستعمل في إخراجها؟
بداية يمكننا القول إن الفيلم الوثائقي هو ببساطة فيلم عن الحياة الواقعية، يروي قصة واقعية تدّعي المصداقية، وتحمل على النقاش بشأن كيفية تحقيق ذلك بنزاهة لا تنتهي أبداً في ظل وجود إجابات متعددة. وقد عُرّف الفيلم الوثائقي أكثر من مرة على مدار الزمن من صنّاعه ومشاهديه، ولا شك أن المشاهدين يصوغون معنى أي فيلم من خلال الجمع بين المعرفة والاهتمام بالعالم، وبين الشكل الذي يصور به المخرج هذا العالم. فتوقعات الجمهور تقوم إذاً على التجارب السابقة؛ فهم لا يتوقعون التعرض للخداع والكذب، بل يتوقعون أن تنقل إليهم أشياء صادقة عن العالم الواقعي.
وبناءً على ما سبق يمكن عَدُّ الفيلم الوثائقي تجسيداً منصفاً وصادقاً لتجربة شخص ما مع الواقع، وذاك هو العقد المبرم مع المشاهد الذي كان يقصده «مايكل رابيجر» في نصه الكلاسيكي حين قال: «لا توجد قواعد في هذا الشكل الفني الناشئ، هناك فقط قرارات بشأن موضوع ترسيم الحدود لما هو مقبول، وكيفية الالتزام بالعقد الذي ستبرمه مع جمهورك».
ولادة المصطلح وتطوره
ولد مصطلح «الفيلم التوثيقي أو الوثائقي» من رحم الممارسة المبكرة ولادةً صاحبها الارتباك، فحين بدأ روّاد الأعمال في أواخر القرن التاسع عشر لأول مرة في تسجيل أفلام لأحداث من واقع الحياة، أطلق البعض على ما كانوا يصنعونه اسم «أفلام وثائقية»، بيد أن المصطلح ظل غير ثابت لعقود، في حين أطلق البعض الآخر على هذا النوع من الأفلام اسم الأفلام (التعليمية، أو الواقعية، أو التشويقية).

وفي التسعينيات من القرن المنصرم شرعت الأفلام الوثائقية في التحول إلى مجال تجاري كبير في كل أنحاء العالم، وبحلول عام 2004 بلغ حجم النشاط التجاري العالمي في مجال الأفلام الوثائقية التلفزيونية وحده نحو 4 مليارات دولار سنوياً. كما ازدهر كذلك تلفزيون الواقع، و»المسلسلات الوثائقية» التي تُصور في أماكن تتميز بالدراما العالية كمدارس تعليم قيادة السيارات، والمطاعم والمشافي، والمطارات. وتضاعفت، في مطلع القرن الحادي والعشرين، الإيرادات السينمائية فيما يخص الأفلام الوثائقية، وأصبحت مبيعات الأقراص الليزرية، وتأجير الأفلام الوثائقية مجالاً تجارياً كبيراً، وسرعان ما ظهرت لاحقاً أفلام وثائقية معدة خصيصاً للهواتف الخليوية، وأفلام وثائقية تعاونية تنتج على شبكة الإنترنت، وصار مسؤولو التسويق الذين كانوا يحرصون على إخفاء حقيقة أن أفلامهم وثائقية، يفتخرون بتسمية مثل هذه الأعمال بـ «الوثائقية».
أرسى كلٌّ من جريرسون وفلاهرتي، مع اختلاف الطموحات، «الواقعية» كتقليد في الأفلام الوثائقية، ويخلق هذا التقليد التعبيري وَهْم الحقيقة لدى المشاهد، ومن ثم فإن الواقعية لم تكن محاولة لتصوير الواقع بمصداقية، بل محاولة لاستخدام الفن لمحاكاته بفاعلية تجعل المشاهد ينجذب إليه دون التفكير فيه، ومن أساليب خلق وهم الحقيقة: المونتاج بالإخفاء، والتصوير السينمائي الذي يخلق لديك الوهم بأنك داخل المشهد تراقب الحدث أثناء وقوعه، والإيقاع الذي يتبع توقعات المشاهد للأحداث الطبيعية في العالم الطبيعي.
وعلى النقيض من الواقعية تأتي مناهج أخرى تجذب الانتباه إلى دور الفنان والتكنولوجيا في صناعة الفيلم، وجُمعت بعض هذه الأساليب تحت مسمى «الشكلية»، بمعنى إلقاء الضوء على العناصر الشكلية في الفيلم ذاته، ومن ضمن أمثلة تلك العناصر، المونتاج الحاد أو الملحوظ، والألوان غير الطبيعية، والتشويهات في عدسة الكاميرا، والمؤثرات الخاصة مثل التحريك، وإبطاء أو تسريع الصوت والصورة. وقد اتهم أنصار هذه الشكلية الواقعية بالتضليل وخداع المشاهدين لدفعهم لتصديق أنهم يشاهدون شيئاً واقعياً؛ إلا أن هؤلاء المخرجين، في الحقيقة، سمحوا للمشاهدين بملاحظة دور الفنان في العمل، بل والاحتفاء به.
الفيلم الوثائقي السوري
في ستينيات القرن المنصرم، وبالتحديد في عام 1969 قدم المخرج نبيل المالح فيلمه (إكليل الشوك) الذي عُدّ أولى التجارب السينمائية التي أسست للسينما الوثائقية السورية. ويتحدث هذا الفيلم عن القضية الفلسطينية بأسلوب روائي وثائقي، حيث يرصد جزءاً من حياة مواطنة فلسطينية تبيع ما تخصصه لها وكالة الغوث من مساعدات لتسد احتياجاتها الحياتية الضرورية. ثم أنتج التلفزيون العربي السوري لاحقاً عدداً من الأفلام الوثائقية للمخرج أمين البني كان أولها فيلم (دروس في الحضارة) عام 1974 الذي يفضح الزيف الصهيوني في الربط بين الادعاءات الفكرية والأفعال، وفيلم (اليوم الطويل) الذي يتحدث عن انتفاضة يوم الأرض. إلى جانب العديد من الأفلام الوثائقية التسجيلية الأخرى التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما مثل فيلم (أحاديث عنهن) عام 1978 لمخرجه سمير ذكرى، الذي يتحدث عن المرأة من الجوانب كافة، ويحاول أن يرصد أوضاعها في سورية، ومشاركتها في الجوانب الحياتية عامةً، ومدى ما وصلت إليه من اندماج في المجتمع، وتقدم في العمل، إضافة إلى تقلّدها مناصب قيادية اقتصادية وسياسية وصناعية واجتماعية. وفيلم (المنام) لمخرجه محمد ملص، الذي صدر عام 1988، وصوّر الحياة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، باحثاً عن صورة وطن ضائع في أحلام اللاجئين. إضافة إلى أفلام عدة اندرجت تحت تصنيف الأفلام الوثائقية وتصدى لإخراجها مخرجون كبار من أمثال: ريمون بطرس، ومحمد قارصلي، وفراس دهني، ويوشع سلمان، وآخرون…
إذاً غدا الفيلم التوثيقي صناعة رائجة في ميدان الأعمال المصورة، التي تستقي موضوعها من أحداث واقعية، وتنشئ مادتها بناء عليها، وتتوجه إلى جمهورها عارضة هذه الأحداث بصيغ متعددة، ومستعينة بمؤثرات تخدم موضوع العمل وقصته لخلق التأثير الكفيل بإيصال رسالة هذا الفيلم الذي قد تطول مدة عرضه فيصبح فيلماً روائياً طويلاً، أو تقصر فيكتفي بدقائق معدودة لعرض مادته في تكثيف وإيجاز.

التاريخ: الثلاثاء27-10-2020

رقم العدد :1018

 

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً