الثورة أون لاين:
في كتاب “مقدّسات ومحرّمات وحروب – ألغاز الثقافة” الذي ألّفه العالم الأنثروبولوجي الأمريكي “مارفن هاريس” وترجمه إلى العربية الشاعر والناشر “أحمد. م. أحمد”.. في هذا الكتاب، رؤية أراد المؤلف منها أن يقول، بأن الجهل والخوف والتناقض، هم العناصر الأساسية للوعي اليومي”.
إنها الرؤية التي جعلت المترجم، يدعو “سكان كوكب الأرض الذين يسيرون تحت نير ثقافات متهافتة وساذجة، إلى قراءة هذا الكتاب الذي يعتبر من أهم كتب الأنثروبولوجيا المادية، على هذا الكوكب”.
دعا إلى ذلك، بعد أن تتبّع ماتتبعه “هاريس” من أنماط الحياة والعقائد التي لا يتقبلها العقل ولا يمكن تفسيرها، ولاسيما تلك التي تظهر بين الشعوب الأمِّية أو البدائية. أيضاً، التي تنتج حالات لا يمكن فهمها أو تسميتها، أو حتى حل أحاجي ثقافتها.
فصولٌ من الغموض والأوهام المكتسبة، التي “تعزّز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم أن يتصرف وفقها أناسٌ بعقلياتهم الشرقية المبهمة”.
فصولٌ، نختار من تمهيده لها، ما يتعلق بالوعي الذي تحتاجه الشعوب في الزمن العبثي والتكنولوجي. زمن الخيبة التي يظن بعض المصابين بها:
“يظن بعض المصابين بالخيبة، جراء الآثار الجانبية للتكنولوجيا المتقدمة، أن العلم هو نمط حياة المهيمنين على مجتمعنا. ربما يكون هذا دقيقاً فيما يتعلق بالاحترام لمعرفتنا بالطبيعة، لكنه خاطئ بشكل مريع، فيما يتعلق بمعرفتنا بالثقافة، فما دامت أنماط الحياة محط اهتمام، لا يمكن للمعرفة أن تكون خطيئة لأننا لانزال ضمن حالتنا الأصلية من الجهل”.
هكذا يبدأ، مذكراً بأن هدفه تقديم الحلول المقنعة لا اليقينية، وحول ما هو رمز مقدس لدى شعوب تقدس القيم الروحية، أكثر من تقديسها للحياة التي تشتعل بفعلِ “ذكور وحروب” القبائل البدائية. تلك التي لا تملك حلولاً لتخفيف معاناة وموت وكثافة سكانها، إلا بالحرب التي رأى بأنه لا سبيل للحدِّ من كوارثها إلا عندما تقتنع الإنسانية بأنها:
“عندما تقتنع الإنسانية بأنها ستخسر في الحرب أكثر ممّا يمكنها أن تجنيه، ستوجد وسائل أخرى لحل النزاعات بين الجماعات”.
أيضاً، هناك نماذج منها “الذكر الهمجي” وشراسته الذكورية، ومنها أولئك الساعون إلى التنافس على المال والسلطة، أو بالأحرى، على “الأوهام الاستعراضية” أو حتى “عقيدة الأحمال الوهمية”..
هناك “المخلص المسالم” و”سرُّ أمير السلام” و”السحر العائد” وغيرها من الفصول التي ترسم ملامح الصراعات المتفاقمة، والقناعات غير المسالمة، حتى في اعتقادها بأن “المخلِّص المنتَظر كان يجب ألَّا يُقهر”، أو حتى باحتجاجها رغم انغماسها، بـ “هوس السحر الأكبر”.
“تكمن الأهمية العملية لهوس السحر، في أنه أزاح المسؤولية عن أزمة مجتمع القرون الوسطى المتأخرة عن الكنيسة والدولة، ونقَلَها إلى شياطين متخيَّلة بأشكالٍ بشرية. وفي خضم انشغالها بالنشاطات المتخيَّلة لهؤلاء الشياطين، صبّت الجماهير المذهولة اللومَ على الشياطين المتفشية في كلّ مكان، بدلاً من رجال الدين الفاسدين والنبلاء الجشعين”.
يختم الكاتب بالقول، أن “عودة الساحرة” أمر يثير السخرية في زمن توسع العلم والتكنولوجيا، وتطوّر “الثقافة المضادة” التي تعتمد على التصوّر والمشاعر العفوية. أي الهروب من الموضوعية.
“حرية الاعتقاد” كانت السبب في تأخر العلم والتكنولوجيا الغربيين، مع تطور ما يسمى “الثقافة المضادة” التي ستنقذ العالم من أساطير الوعي الموضوعي، وستفسد نظرة العالم العلمية، ليكون البديل ثقافة جديدة تكون فيها السلطة العليا للقدرات غير العقلية، ليسود الحكم الألفي للعقل، أو الوعي الثالث بما يكتنفه من شكوك عميقة في المنطق والعقلانية والتحليل والمبادئ، فالثقافة المضادة والوعي الثالث، يَعدّان أنفسهما اتجاهين مؤنسنين، معنيَّين باستعادة المشاعر والحنان والحب والثقة المتبادلة في العلاقات الإنسانية”.
كل ذلك، يُشعر “هاريس” بأنّه من الصعب إصلاح الوضع الأخلاقي من خلال الاهتمام الصريح بالسحر، وبالتالي لابد من تغيير وعينا الاعتيادي فقد تتحسن إثر ذاك نظرتنا إلى السلام والعدالة الاقتصادية والسياسية، فنحن لسنا بحاجة إلى المزيد من الاهتزازات الغربية. الثقافية والنفسية.
هفاف ميهوب