الثورة أون لاين – دينا الحمد:
أجمع المؤرخون والمحللون والسياسيون في شرق العالم وغربه على تسمية وعد بلفور المشؤوم ب(جريمة العصر) لأنه كان أكبر ظلم وقع على شعب عبر التاريخ، وما زالت آثاره الكارثية حتى يومنا الراهن، فالاحتلال الإسرائيلي ما زال مستمراً نتيجة قرار الشؤم المذكور، والاستيطان الجاثم على الأرض الفلسطينية ما زال يتوسع عمودياً وأفقياً بسببه، واللاجئون الفلسطينيون ما زالوا مشردين ومشتتين خارج ديارهم في مخيمات اللجوء كأحد نتائجه المباشرة.
وما زال الفلسطينيون يناضلون لرفع هذا الظلم التاريخي عنهم وعودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948 طبقاً لما ورد في القرار ( 194)، لكن المجتمع الدولي، وفي مقدمته بريطانيا التي أنتجت هذا الوعد المشؤوم، ما زالوا يتجاهلون الجريمة النكراء ويرفضون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس، وما زال العالم يتفرج على مأساة الشعب الفلسطيني ويرفض تحمل مسؤولياته تجاهه ونصرة قضيته العادلة.
لقد شكّل وعد بلفور بداية التآمر الدولي على القضية الفلسطينية، وفاتحة المخططات التي كادت من خلالها دول الغرب إنهاء الوجود الفلسطيني برمته على أرضه، وتشكل آثاره وتداعياته التي لحقت بالقضية الفلسطينية القاعدة الأساسية التي مهدت لانطلاق كل مخططات تصفية القضية الفلسطينية، والتي كان آخرها صفقة القرن التي يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذها بأي ثمن لإرضاء الكيان الصهيوني وكسب رضا اللوبي الصهيوني، والتي تترافق أيضاً مع اتفاقيات التطبيع المذلة التي يوقع عليها بعض الأعراب مع العدو الصهيوني.
لقد عانى الفلسطينيون وشعوب المنطقة قاطبة من مآسي تلك السياسات الاستعمارية لحكومات بريطانيا المتعاقبة ودورها الهدام في تقسيم المنطقة وأوضح شاهد على ذلك وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو المشؤومان اللذان قسّما المنطقة العربية إلى دويلات ضعيفة ومنحا فلسطين للصهاينة وأسهما في تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وهاهي اليوم تلك الدول الاستعمارية كبريطانيا وأميركا تسير على خطا حكوماتها أيام الاستعمار البغيض وتحاول مجدداً استعادة تاريخها الأسود بهدف فرض تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم خدمة لمصالحها وتكراراً لنهجها الاستعماري ذاته في سورية وفلسطين وبقية دول المنطقة.
اليوم واشنطن ولندن تسعيان جاهدتين لتصفية القضية الفلسطينية ووأد حقوق الشعب العربي الفلسطيني تحت عناوين زائفة مثل السلام والازدهار في المنطقة، مثلما تحتلان الدول وتغزوان الشعوب تحت شعارات الإنسانية والديمقراطية وشماعة حقوق الإنسان، في امتداد لسياسات العدوان والانحياز للكيان الإسرائيلي الغاصب ودعم احتلاله للأرض العربية، ومحاولة شرعنة مستوطناته وتبييض إرهابه وعنصريته.
إن وعد ترامب الجديد المتمثل بصفقة القرن ينكر وجود الشعب العربي الفلسطيني ويلغي حقائق التاريخ والجغرافيا، ويحاول إعادة إنتاج الاحتلال بقوالب اقتصادية مزعومة، ويبدأ من نسف حل الدولتين، وتوطين اللاجئين حيث هم الآن، لكن ترامب ومن خلفه من أصحاب الرؤوس الصهيونية الحامية لم يدركوا أن وعد بلفور وصفقة القرن يناقضان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني المقر من قبل الأمم المتحدة ولذلك سيأتي اليوم الذي تطوى فصولهما، ولا سيما أن الشعب الفلسطيني الموجود في فلسطين منذ آلاف السنين سيستمر بكفاحه حتى تحرير أرضه من الاحتلال والإرهاب مهما كلفه من تضحيات.