يبقى الفنان السوري مادة دسمة لكلّ البرامج التلفزيونية الفضائية المنوّعة، هذا الفنان الذي عرفته القنوات وخبٍرَته من خلال الدراما السورية في عصرها الذهبي، ولانغالي إذا قلنا أنّ هذا النجاح للدراما هو سبب الالتفات إليها ومحاولات تحطيمها بطريقة أو بأخرى….
قامت العديد من المحطات الفضائية وشركات الإنتاج بشكل متعمّد بوقف الضّخ المالي الذي تستلزمه الدراما السورية، ومن جهة أخرى أوقفت عرض المسلسلات السورية ذات الإنتاج والصبغة الدرامية السورية شكلاً ومضموناً.
ثم عمدت إلى شرذمة الفنان السوري وتشتيته في أعمال مشتركة هنا وهناك، وكان الإغراء المادي هو الأساس في استمالته وإبعاده قدر المستطاع عن هويّة الدراما السورية الذهبية بغية إبعاده عن المحليّة، وإقحامه في موضوعات لاهوية محلية لها ولا قضية جوهرية تشغلها…
استمالة كُتّاب السيناريو أيضاً وتكريس مفهوم الموضوعات(العالمية)بين قوسين لديهم، أبعدهم بشكل أو بآخر عن الموضوعات الإنسانية، وحاولوا إقصاء ثقافتنا وهويتنا العربية فجاءت كلّ المضامين بنكهة عربية تسويقية، ولكن برحيق يفتقر إلى كل العناصر الرئيسية التي تجعل أي عمل فنّي يرسخ في الوجدان العربي، حتى وإن مرّت في العرض الدرامي خصوصية للثقافة العربية تأتي مزيّفة ومشوّهة تُسيئ للفن وإبداعاته.
الغربة والتغريب عنصران أساسيان في فرض معايير جديدة على الدراما، وللأسف سقطت الدراما في فخّهما المُتَعمّد، وقد يقول قائل.. هذا وضع فرضته الحرب على سورية، لكننا لكلّ هؤلاء نقول إن الحروب لم تتوقف يوماً، ولم تكن الظروف المعيشية في حروب سابقة أفضل حالاً، بل على العكس كانت أكثر صعوبة، ولكن اليوم العقل المُدبّر لكلّ أزماتنا وجد فيما سبق أن البنية المجتمعية والثقافية لم تتأثر، وبالتالي أيقن أن لابدّ من تكتيك وتكنيك وتخطيط أكبر وأشدّ صرامة، وبالفعل هذا ماحصل.. تسعير الفتنة بكلّ أشكالها، طبيعة جميلة، وممثلين جذابين، وإخراج وإنتاج ضخمين، تبثّ نمطاً من السلوك والعيش الهدّام والمدمّر لكل القيم، ويروّج لقيم اجتماعية جديدة تخترق مجتمعاتنا.. جنس، شذوذ، مخدرات، وقتل وتهريب، وغيرها الكثير.
عناصر التشويق والإثارة، والإنتاجات الضخمة والدعاية والإعلان، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم كل التسهيلات فيها، كلّها عوامل مساعدة ولاتأتي عفو الخاطر في بثّ أعمال درامية تدعو إلى الريبة من هدف إنتاجها وعرضها.. ولسنا مشبعين بالاعتقاد بنظرية المؤامرة لأن إنكارها مؤامرة بحدّ ذاتها، لدرجة يصبح الناس بلهاء يعتقدون أنهم سبب مايجري من مصائب وكلّها من صنعهم وحدهم، وأنه لا يوجد عدوّ متربّص بهم همّه الأكبر أن يدمّر القيم الإنسانية والثقافة المجتمعية، ويفكك الأسرة السورية والعربية..
يكفي أن نسأل عن مصدر الدولارات التي تنفق على تلك الأعمال، ويكفي أن نلتفت إلى منع عرض بعض المسلسلات السورية على القنوات العربية مثل (حارس القدس)، وكلّ المحطات مفتوحة لمسلسل(الهيبة)، وقبله (باب الحارة)…
رؤية – هناء الدويري