الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
طوال نحو عشر سنوات من عمر الحرب الإرهابية على سورية ، لم توفر الحكومة السورية ومؤسسات الدولة السورية عموماً وسيلة من الوسائل لوقف الحرب وتداعياتها إلا وأعطتها الوقت الكافي لتمنحها فرصة النجاح ، وكان شغلها الشاغل طوال سنوات الحرب حماية المدنيين من نيران وإرهاب التنظيمات الإرهابية المسلحة ، ووضع حد لمعاناة المدنيين الذين اضطروا لمغادرة قراهم وبلداتهم بفعل إرهاب هذه الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها وبعض دول الجوار كتركيا ، فمنذ بدأت الجماعات الإرهابية بخرق القانون والتمرد على السلطات الشرعية ، بدأت أعمال التخريب على يديها في مؤسسات الدولة والأحياء الشعبية ، واحتجاز المدنيين فيها كدروع بشرية لحماية أنفسهم من نيران الجيش العربي السوري الذي أخذ على عاتقه منذ بداية الحرب محاربة الإرهاب جنباً إلى جنب مع حماية أرواح وأملاك المدنيين الأبرياء ، ممن لا ذنب لهم في الجرائم والانتهاكات التي كان يرتكبها أولئك الإرهابيون العملاء .
ففي كل منطقة كان يستولي عليها الإرهابيون بأوامر خارجية ، كانت الدولة السورية تعطي أولوية مطلقة لحماية المدنيين وتأمين خروجهم الآمن من المناطق المتوترة ، ومساعدتهم على الوصول إلى مناطق أكثر أمناً ، موفرة لهم كل ما يحتاجونه من غذاء ودواء وتعليم وخدمات ضرورية ، حيث نزح العدد الأكبر من المدنيين في المناطق التي تعرضت لاعتداءات إرهابية إلى داخل الوطن ، إما إلى أقارب لهم أو لمراكز إيواء مؤقتة أقامتها الحكومة ، فيما اضطر المقيمون في المناطق الحدودية للجوء إلى دول مجاورة بسبب صعوبة النزوح الداخلي ، ريثما يستتب الأمن ويستطيعون العودة إلى بيوتهم وأملاكهم ، ولكن محور العدوان الذي كان ينتقل بالحرب بواسطة عملائه ومرتزقته من مرحلة إلى مرحلة أخرى أخطر ، فاقم مسألتي النزوح واللجوء ، وجعل هذا الملف أكثر تعقيداً ليصبح فيما بعد من أهم أوراقه السياسية للضغط على الدولة السورية كي تخضع لإملاءاته وأجنداته الاستعمارية .
كان تعاطي الدولة السورية مع مسألة اللاجئين تعاطياً وطنياً وإنسانياً وأخلاقياً ، لأنهم أبناؤها ولا ذنب لهم في كل ما يجري ، وقد تحملت الكثير من الأعباء والنفقات ، وقدم جيشنا الباسل آلاف الشهداء من أجل سلامة المدنيين وحماية أرواحهم وأملاكهم ، وفي كل مرة يتم فيها تحرير منطقة من الإرهابيين ، كانت الدولة تؤمن المعابر الآمنة للمدنيين ، وتنقلهم إلى مراكز إيواء مؤقتة أنشأتها وجهزتها بكل ما يلزم لتأمينهم ، في حين كان الإرهابيون بأوامر من مشغليهم يمنعون خروج المدنيين إلى مناطق تسيطر عليها الدولة، وكثيراً ما ارتقى شهداء مدنيون بقذائف الإرهابيين عند تلك المعابر ، لأنهم تمردوا على أوامر هذه الجماعات الإرهابية واختاروا اللجوء إلى دولتهم لتحميهم وترعاهم .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أنشأت الحكومة السورية مراكز الدوير وحرجلة وعدرا لإيواء المدنيين الذين غادروا الغوطة الشرقية وداريا والمعضمية وخان الشيح أثناء تحرير تلك المناطق من المجموعات الإرهابية ، وقدمت للأهالي المهجرين فيها ما تستطيع تقديمه قبل أن تدخل مؤسسات الأمم المتحدة على خط الأزمة وتقدم الحد الأدنى من احتياجاتهم ، في حين أنشأت مركز إيواء جبرين بالقرب من مدينة حلب لإيواء المدنيين الفارين من نيران الإرهابيين في المدينة عند تحريرها ، وفي وقت لاحق أمنت عودة أعداد كبيرة من اللاجئين إلى مخيم الركبان على الحدود الأردنية رغم عرقلة القوات الأميركية المحتلة في منطقة التنف قدومهم ، حيث كانت تسعى لتجنيدهم للقتال ضد الجيش العربي السوري تحت إمرة الاحتلال الأميركي ، في حين استقبلت محافظتا اللاذقية وطرطوس العدد الأكبر من النازحين من محافظتي حلب وإدلب ، والذي كان نظام أردوغان الإخواني يسعى لتهجير المدنيين منهما إلى داخل تركيا كي يكونوا ورقة ضغط بيده في إطار أي تسوية سياسية قادمة ، كما عملت الدولة السورية كل ما تستطيعه لإنقاذ أهالي كفريا والفوعة بمحافظة إدلب ونبل والزهراء شمال حلب من حصار الإرهابيين ، وأمّنت خروجهم إلى مناطق آمنة تحت رعايتها وإشرافها بمساعدة الحليفين الروسي والإيراني ، ونفس الأمر بالنسبة لأهالي دير الزور والرقة والحسكة عند استيلاء تنظيم داعش الإرهابي بدعم أميركي واضح على مناطق واسعة في شمال شرق سورية ، حيث أقام معظم النازحين من دير الزور في مدينة دمشق وبعض المدن الساحلية ، كما نزح العدد الأكبر من أهلنا في محافظة درعا إلى أهلهم في مدينة السويداء ، ولدى الحكومة السورية أرقام وبيانات دقيقة حول الأعداد ، في حين يجري تضخيم أعداد اللاجئين إلى دول الجوار وأوروبا من قبل دول محور العدوان ، من أجل ابتزاز المنظمات الدولية والدولة السورية باسمهم واسم معاناتهم ، ولو ترك هذا الملف الإنساني والوطني في يد الحكومة السورية دون تدخل أو ضغط من أحد ، لوصل إلى خواتيمه السعيدة
، ولما كان الآن ملفاً يجري تعقيده لأغراض سياسية محضة للحيلولة دون حله .
وإضافة إلى ذلك حملت الدولة السورية ملف اللاجئين إلى كل المنابر والمحافل الدولية ، وكان حاضراً بشكل دائم على منبر الجمعية العمومية ومجلس الأمن وباقي المؤسسات المعنية من أجل الوصول إلى خاتمة له ، كما ناقشته في آستنة وسوتشي وجنيف ، لأنها حريصة على سحبه من التداول والاستغلال من قبل دول العدوان ، وحله في الإطار السوري/ السوري ، وما مؤتمر اللاجئين الذي ينعقد في دمشق في اليومين القادمين سوى تأكيد على عزم الدولة السورية بمساعدة الحليف الروسي على وقف هذه المعاناة وتأمين عودة كل لاجئ سوري إلى وطنه