الثورة أون لاين – تحقيق حسين صقر:
فجأة حلَّ الشتاء كضيف ثقيل، متجاوزاً دوره في طابور الفصول، تماماً كمتنفذ على دور أمام فرن، أو محطة وقود، أو أي دائرة حكومية خدمية، حل الشتاء حاملاً معه البرد لعوائل كثيرة لم تستطع تأمين مازوت أو حطب التدفئة ولا حتى ملابس تقي أطفالهم قرّه القاسي، ويحمل على سحبه المطر في شوارع لم تتهيأ بناها التحتية لاستقبال وابله المدرار، فترى طوفاناً هنا، وغرقى بمياه آسنة هناك، وبعض الجهات المعنية أذن من طين وأخرى من عجين، وكأنها لا تعيش مع بقية الناس أوجاعهم وآلامهم.
“الثورة” خلال استطلاع لها على أحوال الناس في ظل الظروف المعيشية الصعبة جالت على بعض المناطق والتقطت بعضاً من الصور التي تعكس الواقع، كما كان لها بعض اللقاءات مع مختلف الشرائح، سواء أكانوا عاملين وموظفين أم أصحاب مهن حرة ومحال تجارية أم طلاب مدارس، سيدات ومسنين وشباب، وعبر هؤلاء عما يقلق راحتهم ويؤرق حياتهم وعيشهم، واستمعت لاقتراحاتهم وملاحظاتهم.
وقال السيد أحمد الجردي وهو والد لأربعة أطفال وصاحب مهنة حرة: يوماً بعد آخر تزداد الضغوط المعيشية على الجميع، وأنا كصاحب مهنة حرة، فقد تضرر عملي لأنه لم يبق مع الناس المال اللازم لما يقومون به من أعمال في مجال البناء والإعمار، ومن يدخر بعض النقود يوفرها للقمة عيشه، و هو ما انعكس سلباً على الدخل الذي أعتمد عليه في تلبية متطلبات أولادي الأربعة الذين هم بحاجة لمصاريف يعرفها جميع أرباب الأسر، والتي لا دعي لشرحها أو الخوض بتفاصيلها، حيث جميعنا يرتاد أماكن التسوق ويعلم الفروقات الكبيرة في الأسعار بين الماضي والحاضر.
وقالت السيدة أم رامي وهي أم لطفلين: في السابق كان الجميع ينتظرون حلول فصل الشتاء بأجوائه الهادئه ولمة العائلة حول مدفأة صغيرة، تلتهب نارها، حيث المدفأة فاكهة الشتاء، ويجمعهم ذلك بكثير من الحميمية المنبعثة من محبة الناس، لبعضهم البعض، أما اليوم ومع كل أسف لم يعد لتلك الفاكهة أي طعم لفقدانها العنصر الأساسي الذي يغذيها، وقس على ذلك بعض المسببات الأخرى في لم شمل هذه العائلة أو تلك، لأن الجميع اليوم منشغلون بتأمين لقمة العيش التي أصبح الحصول عليها مغمساً بالدم، بدءاً من الحصول على رغيف الخبز، وليس انتهاءً بتأمين المواد الضرورية الأخرى.
وأوضحت أم رامي أنه ما زاد الطين بلّة، كما يقال تزامن انقطاع مادة المازوت مع كثرة انقطاع التيار الكهربائي الذي يعتمد عليه معظم الناس في التدفئة خلال فصل الخير.
من ناحيتها قالت الآنسة أماني بطيخة: إنه من البديهي أن تنعكس الأوضاع المعيشية الصعبة سلباً على كافة القطاعات والمهن ولا سيما مهنة التعليم، لأن المدرس أو أي موظف أو عامل، إن لم يكن مرتاحاً مادياً سوف يكون تفكيره منشغلاً بتأمين متطلبات أسرته، وبالتالي سوف يكون أداؤه دون المطلوب، أو لا يتناسب ومستوى الطموح، ما يؤكد أيضاً أن طالب المدرسة سوف يكون باله أيضاً مملوءاً بالبحث عن الدفء والضوء والمصروف الذي يحتاجه.
الطالب محمود سراي الدين أوضح أن الوصول إلى المدرسة بات أمراً شاقاً، خاصة أن السرافيس ووسائل النقل تعاني تأمين الوقود الخاص فيها، وهو ما يسبب قلة عدد تلك الوسائل، وبالتالي الازدحام الكبير أثناء الذهاب والعودة، هذا عدا عن تحكم البعض في تعرفة النقل بحجة شراء المازوت الحر، أو ما يسمى السوق السوداء، وأشار إلى أنه ليس بمقدور كل الأهل الارتباط مع الباصات التي تنقل الطلاب بشكل شهري أو أسبوعي، نتيجة الأحوال المادية السيئة، وبالتالي لن نستطيع الوصول إلى حصصنا الدرسية في الوقت المناسب، وهو ما سينعكس سلباً على التحصيل النهائي، حيث باتت جملة من الأمور بالإضافة لما تم ذكره عائقاً حقيقياً أمام النجاح والحصول على نتائج نرجوها نحن وأسرنا، خاصة أنه لا يوجد كهرباء ولا دفء ولا حتى غذاء في ظل غلاء أسعار المواد الغذائية الفاحش.
وقال حمود العلي: حتى الآن لم نحصل على دورنا في مازوت التدفئة، ما اضطرنا لشراء عشرين ليتراً بسعر عال من تجار الأزمة، وكما تعلم عدم توافر الغاز وتأخر الرسالة حتى سبعين يوماً أو أكثر أي نصف الفصل، أما بالنسبة لمادة الخبز فحدث ولا حرج، لأن الصور الملتقطة أمام الأفران أبلغ من أن نصف واقعها، الغريب في الأمر أن هناك من يبيع الربطة بخمسمئة أو ألف ليرة وربما أكثر، وهي غير متوافرة عندما نذهب لشرائها، حيث بات الواقع مريراً.
وحول أوضاع الشوارع والأزقة والحارات التي تتشابه في مختلف المناطق ما خلا بعضها في المدن، وذلك نتيجة سوء الخدمات، وعدم تجهيز تلك الشوارع بمصارف المياه أو تعزيل المطريات والريكارات، والتي تؤدي إلى تجمع المياه وإعاقة حركة النقل للمشاة ووسائط النقل على حد سواء، وخاصة خلال الأيام الماضية التي تساقطت فيها الأمطار، عبّر عدد من الأهالي عن سوء الخدمات الخاصة في هذا الشأن، وحملوا البلديات المسؤولية عن ذلك لعدم استجابتها لتعزيل الريكارات وتجهيز مصارف المياه بشكل يتناسب مع كميات الأمطار التي يمكن أن تتساقط فجأة وتسبب الأضرار المادية والبشرية، خاصة أن ذلك سبق وحصل في مناطق ركن الدين ودمر وصحنايا وأشرفيتها ونهر عيشة وقطنا، وخاصة الأقبية التي تعاني من تصريف المياه أثناء انقطاع الكهرباء لكونها تحتاج إلى ما يسمى الفرّامة، ولا تخرج مياهها الناتجة عن الغسيل وحاجات المنزل بشكل انسيابي.
وقال السيد أحمد عبد الباقي: مع بدء فصل الشتاء نستعد وأبناؤنا وبناتنا لرياضة القفز فوق المستنقعات، والعوم أيضاً، وهذا أمر لا يعقل، مع أن البلديات تصرف سنوياً مئات آلاف الليرات أو الملايين بحجة تحسين وضع الطرق وتعبيدها، حيث يوجد الكثير من الطرقات بحاجة للزفت، لأننا نضطر لوضع الأكياس فوق الأحذية لتجاوز الطريق وصولاً إلى أماكن عملنا.
و أشار كما ترى الأطفال العائدين من المدارس، كيف تبدو ملابسهم نتيجة الأوحال العالقة عليهم، والسبب عدم نظافة الشوارع وانعدام جفاف الماء منها رغم مرور أيام على سقوط المطر.
آخرون تحدثوا عن المعاناة من مياه الصرف الصحي وتراكم القمامة تحت النوافذ وانبعاث الروائح الكريهة منها، حيث وصلت الأضرار الناجمة عن سوء الواقع الخدمي إلى بائعي الخضار الذين أوضحوا أن بائعي الجملة يرفضون الوصول إلى محلاتهم بسبب الحفر والطين إضافة إلى انتشار الحشرات التي تسرع في تلف الخضار.
من ناحيته أكد عدد آخر من المواطنين أن رب المنزل بات بحاجة لمبلغ لا يقل عن خمسمئة ألف ليرة لسد حاجات أسرته من غذاء وكساء ودواء وطبابة ومواصلات وطوارئ أخرى، ولهذا بات من الضروري التفكير بحل يجنب المواطن مشكلات لا تحمد عقباها، خاصة أنه يواجه صعوبات حقيقية في الحصول على أي مادة لمنزله، وعبر الغالبية العظمى بالقول إن وجود سعرين في السوق هو السبب وراء ما نحن فيه، لأنه يفتح الباب واسعاً أمام ضعاف النفوس والمحتكرين والمتاجرين بلقمة عيش المواطن، وفضّل هؤلاء أن ترفع الحكومة الدعم بشكل نهائي، ويتم رفع الرواتب والأجور إلى الحد الذي يوازي هذا الدعم، وتفعل عناصر الرقابة والمحاسبة، وبذلك تضمن أن دعمها يصل للمواطن بشكل مباشر.