الثورة أون لاين – ناصر منذر:
ثقافة الصمود والمقاومة، هي نهج سياسي واستراتيجي، ومنهاج حياة، كرسها التصحيح المجيد، وهذا ما يتجلى اليوم في مواجهة السوريين لأقذر حرب تشنها قوى الإرهاب والعدوان عبر عصاباتها الوهابية التكفيرية لمحاولة إضعاف سورية والنيل من قرارها السيادي الحر، ومع إصرار الشعب السوري تأكيده المضي قدماً في محاربة الإرهاب، حتى تحرير كل شبر أرض يحتله الإرهابيون، أو رعاتهم من الاحتلالين التركي والأميركي، فإن إنجازات الحركة التصحيحية تتجسد اليوم في ترسيخ الوحدة الوطنية، ولحمة الجيش العربي السوري مع الشعب في وجه العدوان بمختلف أشكاله، فبفضل صمود هذا الشعب تتساقط المشاريع الاستعمارية الصهيو-أميركية التي تستهدف المنطقة عبر البوابة السورية واحدة تلو الأخرى.
الذكرى الخمسون للحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد، تكتسب في هذه الظروف معان متميزة، وتطرح أسئلة نوعية ونحن نواجه أخطر ما تعرضت له سورية في تاريخها المعاصر، حيث استنفد رعاة الإرهاب كل ما لديهم من وسائل قذرة لمحاولة إخضاع سورية، وبدؤوا يستنسخون من أساليبهم الإرهابية كل أشكال العدوان والإرهاب العسكري والسياسي والاقتصادي، بقصد الضغط والابتزاز، حتى المنظمات الأممية لم تكن بمنأى عن تلك الوسائل التي يستخدمها الغرب الاستعماري، ولكن الفشل لا يزال يلازم قوى البغي والعدوان، وهذا ما تعكسه حملات التجييش والتحريض، وتشديد الحصار، والتمادي في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية لاستهداف السوريين بلقمة عيشهم، وكل ذلك بالتوازي مع تضليل إعلامي منظم لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر.
معركة سورية اليوم ضد الإرهاب وداعميه من قوى غربية متغطرسة، وفي مقدمتها أميركا وأتباعها الأوروبيون، إضافة للأجراء والعملاء كنظام أردوغان، وميليشيات ” قسد” لا تختلف كثيراً عن معركة التصحيح قبل خمسين عاماً، في سبيل النهوض بسورية المتجددة، وبناء الإنسان السوري على أسس سليمة، وقد رسخت الحركة التصحيحية المجيدة بفكر القائد المؤسس حافظ الأسد مبدأ التسلح بالعلم والمعرفة، ومحاربة الجهل والتخلف، وتعزيز ثقافة المحبة والحوار والتسامح، ومواجهة التحديات والضغوطات الخارجية بمختلف أشكالها وتسمياتها، فجاء صمود الشعب العربي السوري وتصديه للحرب الإرهابية، وإفشال مخططات القائمين عليها، ليدهش المراقبين والمتابعين، تماماً مثلما أدهشت بطولات بواسل جيشنا البطل العالم بأسره، وهذا ليس بالأمر الغريب، فالشعب السوري وتقاليده النضالية، سمة طبيعية من سمات هذا الشعب وخصاله الكفاحية المتجذرة منذ قدم التاريخ.
منذ انطلاقة الحركة التصحيحية المجيدة، والتآمر على سورية وشعبها لم يتوقف، ولكنه يزداد شراسة في ظل تصاعد البلطجة الأميركية الساعية من ورائها واشنطن لتكريس وجودها الاحتلالي، وسرقة المزيد من ثروات الشعب السوري الوطنية، ومن خلال السعار العثماني المحموم الذي يقوده اللص والمجرم أردوغان لتوسيع أطماعه الاحتلالية، بالإضافة إلى تحول بعض الأنظمة المستعربة إلى أدوات لتنفيذ المخطط الصهيوأميركي، والذي تتعدد الأطراف المشاركة فيه دولياً وإقليمياً وعربياً، ولجوء المحور الداعم للإرهاب إلى مختلف الأساليب الوحشية بالحصار والعقوبات الاقتصادية والسياسية والتحريض الإعلامي واستعمال أدوات داخلية انفصالية تتلقى دعماً متعدد الجوانب لمحاولة تقسيم سورية، والمس بأمن واستقرار المجتمع فيها عبر عمليات التخريب والقتل والتدمير.
وفي ذكرى التصحيح لا بد أن نذكر حرب تشرين التحريرية، وهي إحدى نتاج التصحيح، فهذه الحرب أعادت للجندي العربي ثقته بنفسه، وأسست لقيام جيش وطني عقائدي، إيماناً بضرورة حماية حدود الوطن وفرض حالة الأمن والاستقرار فوق ربوعه، وقد أكدت كل الدلائل والمعطيات أن الحرب الإرهابية التي تشنها منظومة العدوان على سورية إنما تهدف للثأر من انتصار الإرادة العربية في تشرين، وضمان حماية ما يسمى أمن الكيان الصهيوني، وتغيير موقف سورية من قضية الصراع العربي الإسرائيلي، لا سيما في ظل تهافت الأعراب للارتماء في الحضن الصهيوني عبر مسلسل التطبيع المجاني الذي نشاهد فصوله اليوم.
الحركة التصحيحية لا شك كانت محطة مفصلية في تاريخ سورية الحديث، فلا أحد يستطيع الإنكار أن سورية باتت نتيجة سياسات وتوجهات التصحيح، الرقم الأصعب في المعادلات الإقليمية، والرقم العصي على التجاهل والتجاوز في كل ما يتعلق بشؤون المنطقة، واليوم تكمل سورية مسيرة التصحيح بدماء أبنائها وإخلاصهم لسنوات التصحيح التي مرت، مؤكدة تمسكها بثوابتها بالدفاع عن الأمة العربية ومصالحها ومستقبل أبنائها بعد أن سعت عبر سنوات التصحيح إلى تعزيز التضامن العربي ودعم مؤسسات العمل العربي المشترك وبناء منظومة الأمن القومي وترسيخ الاستقرار والتعاون مع الأشقاء والأصدقاء، مستندة بذلك إلى تاريخ طويل وعريق من النضال يعبر عن أصالة الشعب السوري وروحه المفعمة بحب الانتماء والتمسك بالجذور.