أسئلة كثيرة تطرح في إطار الحديث والإجابة على السؤال التقليد، لماذا تطور الغرب وتخلف العرب؟، ولا شك أنه سؤال مركزي يحتاج لإجابة مقنعة وموضوعية، أخذا في الاعتبار الظروف التاريخية والسياق الذي سارت عليه عملية التطور الاجتماعي وثقافة المجتمع التي هي خط إنتاجه وتقنين لأخلاقياته، ولا شك أن هذا السؤال بقدر ما فيه من الأشكال والتعقيد فيه أيضا الكثير من السهولة والبساطة، فلطالما ردد العالم الشهير انشتاين مقولة “إنه كلما تكون هناك قضايا معقدة فغالباً ما تكون الإجابة والحل سهلاً وميسراً”.
وهنا تصبح الإجابة على ذلك السؤال المزمن “هي أن الغرب أخذ بالعلم والمعرفة والتجربة وحرية التفكير والتعبير حتى وصل إلى ما وصل إليه من حضارة ورقي، أما نحن العرب فلم نأخذ بأسباب العلم، وسيطر على تفكيرنا وعقولنا منسوب مرتفع من الغيبيات والأسطورة وثقافة النص، ومساحة هائلة من المحرم الفكري والمعرفي، ترافق ذلك مع أشكال قاسية من الاضطهاد والقهر والفقر والاستبداد ومنع الحريات ولقرون طويلة وما استتبع ذلك من أشكال الاستعمار والاستلاب”.
وعلى الرغم من الدعوات التي قادها رواد عصر النهضة ومن سبقهم من فلاسفة في العصور الإسلامية كابن رشد وغيره إضافة إلى حصول العرب على استقلالهم السياسي، إلا أن ذلك لم ترافقه نهضة علمية وتنموية تتأسس على المعرفة والوعي القائم على سياسات تربوية فعالة تتسق مع استخدام وتوطين للتقانة.
والتفكير العلمي في مناخ من الحرية يفسح المجال للرأسمال البشري والعقلي أن يفصح عن مكنوناته، وهنا تصبح مسألة الاستفادة من التجربة الغربية والموقف منها موقف الاختيار لا الانبهار مسألة غاية في الأهمية، فهي تجربة حققت إنجازات عظيمة على أكثر من صعيد، وهذا لا يجعلها طبعا نموذجاً يحتذى به بقدر ما هي تجربة يمكن الاستفادة منها، سيما وأنه أمامنا الكثير من الشواهد على ذلك كالتجربة اليابانية والماليزية والهندية وغيرها، فقد تعاملت تلك الشعوب مع التجربة الغربية على طريقة توطين النموذج والاستعانة بالعقل المنتج لا استهلاك المنتج بفتح التاء، عكس ما فعلته بعض شعوبنا التي ركزت على الجانب التقني دون المعرفي، وتعاملت مع المنتج دون العقل المنتج، وتهافتت على المنتجات الصناعية، ونسيت الأسس العقلية التي كانت وراء تلك المنجزات فحزنا المصنوع دون العقل الصانع، ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل تجاوزته إلى إطارات الحوار معه حيث تحولت إلى سجالات سياسية لا حوارات فكرية وثقافية، بدل أن نحاور في المعاني التي يمثلها نيتشه وهيغل وفولتير وأينشتاين وغاليليو وكينز وأوين اقتفينا أثر نابليون ومكماهون وبلفور وتشرشل عناوين مصائبنا وخيباتنا.
إضاءات – د. خلف المفتاح
إن أسوأ ما فينا أننا نترك نفوسنا تتفتت فنفكر بعواطفنا، ونشعر بعقولنا، ونطلق العنان لغرائزنا ومخيلاتنا يعودان بنا إلى جذورنا القديمة، وهذا ما يتمناه أعداؤنا لأنهم يريدونا أن نستغرق في ماضينا تحت عنوان الأصالة والحفاظ على التراث، ولا شك أن الأصالة مطلوبة ولكنها مقترنة بالمعاصرة الحقة، وإذا كان من استحضار للماضي أو استدعاء له فهو استدعاء لعصر النهضة العربية نهايات القرن التاسع ومطلع القرن العاشر الميلادي عندما غزونا أوروبا بأدوات التمدن من علم وفلسفة وعمران، وهاهم اليوم يغزوننا بأدوات الاستهلاك فهل استيقظ العقل العربي وحركته صدمة الحضارة؟.