ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
منذ مدة غير قصيرة والإدارة الأميركية تتحدث عن خطر افتراضي لسلاح كيماوي مفترض قد تستخدمه الحكومة السورية في مواجهتها الدائرة منذ ثلاثين شهراً مع المجموعات الإرهابية المسلحة، "المعارضة المسلحة كما تسميها واشنطن"،ويدّعي الرئيس باراك أوباما اليوم من سان بطرسبورغ أن هدف العدوان الذي يعتزم شنه على سورية هو إزالة هذا الخطر، وكفى المؤمنين شر القتال !.
يتدفق الرئيس أوباما في الحديث عن محدودية العدوان على سورية كما لو كان يتحدث عن عملية جراحية كان الوزير رامسفيلد والرئيس بوش الابن قد أكثرا الحديث عنها، قبل وأثناء العدوان على العراق، لكن الواقع كشف نفاق وكذب بوش وباول ورامسفيلد في ادعاءاتهم وأحاديثهم عن أسلحة الدمار الشامل العراقية غير الموجودة، التي كانوا سيخلصون العالم من خطرها، قبل أن تكشف الوقائع كذبهم المشترك عن العملية الجراحية المحدودة والمدروسة التي أزهقت أرواح مئات آلاف العراقيين الأبرياء، وأدت إلى هجرة ونزوح الملايين.
اليوم، يحاول الرئيس أوباما إعادة إنتاج الكارثة ذاتها؛ تحت العناوين ذاتها؛ وبإخراج كلاسيكي نمطي سيئ ورديء، ذلك أنه يتحدث عن خطر سلاح كيماوي افتراضي في سورية، سيتصدى بدوافع أخلاقية قيمية لإزالته، ولتخليص دول المنطقة والعالم منه، كما لو أن انتزاع هذا السلاح يشبه عملية انتزاع طبيب الأسنان سناً من فم المريض!!.
لسنا خبراء "كيماوي" لنقول إن العدوان -محدوداً كان أم غير محدود- قادر على تنفيذ المهمة التي يصورها أوباما، وعلى تحقيق الهدف الذي يدّعي السعي إليه، لأن العدوان إن وقع فلا أحد يستطيع تقدير حدوده، وهو إن وقع فمن المؤكد أنه لن يتمكن من أداء الغاية ولا من تحقيق الهدف "النبيل" المعلن، لكنه سيؤدي بكل تأكيد لإحداث دمار واسع في البنى التحتية السورية، وسيؤدي لإزهاق أرواح الكثير من السوريين وتخريب حياتهم وإنتاج كوارث وويلات غير منظورة؛ ربما في سورية؛ وربما خارج سورية!.
في إطار البناء على ما تقدم يمكننا القول: إن خطر "الكيماوي" وتخليص المنطقة والعالم منه ،لا يمكن أن يتم إلا من خلال التعاون الدولي الذي تحكمه اتفاقيات وبروتوكولات موقعة ومودعة لدى الهيئات والمنظمات الدولية ذات الصلة، ذلك أن ما يمكن إنتاجه بالعمل السياسي والدبلوماسي هو أكبر بعدة أمثال؛ أو أكبر بكثير مما يتصور إنتاجه دعاة الحرب وأصحاب الرؤوس الحامية من خلال العمل العسكري وشن الحروب والحملات العدائية؛ خاصة عندما تكون الذرائع واهية والأكاذيب والفبركات مكشوفة!.
وإذا كان الرئيس أوباما مازال يتحدث حتى قبل ساعات فقط عن مسؤوليات أخلاقية لابد أن تدفعه لأداء واجبه كمخلص للبشرية من خطر هذا السلاح، فإن ما لدينا قلناه سابقاً، لكن مازال في جعبتنا أشياء نقولها له ولحلفائه على طول المحور المعادي لسورية، وقد يكون أهم ما يمكن قوله اليوم، هو أن إنجاز العمل الأخلاقي والتصدي للمهام القيمية والأخلاقية لا يتم عبر فعل سيئ، حيث يجسد العدوان أعلى مراتب السلوك اللاأخلاقي.
وأخيراً وليس آخراً .. وإذا افترضنا أن العدوان حقق ما يدعيه مرتكبوه، فمن المؤكد أنه لن يضمن أبداً ألا تعاد الكرة من جديد، فتصنيع السلاح الكيماوي قد يتم بوسائل بدائية ومن قبل أناس عاديين؛ ولا يحتاج إلى تقنيات عالية ،بدليل ما قامت به المجموعات الإرهابية المسلحة في خان العسل، وأن ما نقوله ليس افتراضاً؛ ولا هو مجرد تفاصيل في عناوين كبيرة؛ تحاول أن تصادر قرار الشعوب وتاريخها ودورها ووجودها، بل هو حقائق دامغة.
وطالما أن الفرصة متاحة للحديث عن "المسؤوليات الأخلاقية"،فقد يكون من المناسب توجيه بعض الأسئلة للرئيس أوباما حول جريمة خان العسل، التي استخدمت فيها المجموعات الإرهابية سلاحاً كيماوياً حصلت عليه من مصادر لا تجهلها الولايات المتحدة، وربما يكون من المناسب أيضاً الاستفسار عن مصير مادة غاز السارين التي ضبطت في تركيا مع مجموعة إرهابية، وكيف يكون السبيل إلى منع وقوعها مرة أخرى في أيدي تلك المجموعات الإرهابية، ولنذهب إلى نهاية الشوط، فحظر الكيماوي يحتاج إلى عمل سياسي أكثر مما هو عسكري، وهذه من البدهيات والمسلمات، وقد سبق لتجارب المجتمع الدولي المختلفة أن كانت شاهداً – ولا تزال – على عبثية أي عمل عسكري في هذا المجال.
a.ka667@yahoo.com