ثورة أون لاين- علي نصر الله
قاتلت الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي إلى جانب تنظيم القاعدة في خندق واحد بأفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت تعبر واشنطن علناً عن رغبتها بجعل أفغانستان فيتنام السوفييت،
وإن مراجعة بسيطة لما جرى هناك منذ عهد جيمي كارتر لا بد أن تكشف عن دور أجهزة الاستخبارات الأميركية في إنشاء وتكوين «القاعدة» والتنظيمات الجهادية المتطرفة، كما لا بد أن تكشف عن دور هذه الأجهزة في رعاية الإرهاب الدولي، وتتضح هذه الصورة اليوم على نحو غير مسبوق، ذلك أن إدارة أوباما تقاتل جهاراً نهاراً إلى جانب «القاعدة» والتكفيريين والمتطرفين في سورية.
تدّعي واشنطن كذباً ونفاقاً قيادتها منذ سنوات أكبر حملة عالمية على الإرهاب الدولي؛ وتحديداً ضد تنظيم القاعدة الإرهابي، لكنها تفضح نفسها بنفسها من خلال التحالفات التي تقيمها مع هذا التنظيم ومشتقاته وأخواته، ومن خلال الارتباطات التي تجمع قيادات الإرهابيين في أربع جهات الأرض مع قادة الاستخبارات المركزية الأميركية.
العلاقة المتينة القائمة بين "أميركا والقاعدة" والإرهاب الدولي باتت لا تخفى على أحد في الشرق والغرب؛ وهي تأخذ في هذه الأثناء أشكالاً جديدة من خلال سعي أميركا والغرب لإنقاذ المجموعات الإرهابية في سورية، ومن خلال رفض واشنطن والغرب المتصّهين الذهاب الى جنيف.
وإن محاولة إدارة أوباما تحشيد الرأي العام الأميركي بتمرير كذبة الكيماوي عليه لكسب تأييده خيار شن العدوان على سورية الذي تلوح به، هي قتال مباشر في خندق تنظيم القاعدة الإرهابي، وهي محاولة بائسة لضمان أمن إسرائيل وتحقيق مصالحها النفطية في المنطقة والعالم، ذلك أن واشنطن تعتقد أنه ما زال بمقدورها التلاعب بالاستقرار والأمن الدوليين بالاعتماد على الأكاذيب، وتظن أنه ما زال بإمكانها شن الحروب العدوانية على الدول والشعوب بذرائع مفبركة باتت تؤكد بدورها أن الولايات المتحدة منفصلة تماماً عن الواقع !.
في كل ما تسوقه الإدارة الأميركية من أكاذيب حول بدعة الكيماوي هي لا تخدع سوى ذاتها، ذلك أن تجاهلها نتائج فريق المحققين الدوليين، وعدم تقديمها أي دليل، وتهربها من التحقيق في حادثة خان العسل، والتعتيم على مصير كميات غاز السارين التي ضبطت في تركيا مع إحدى المجموعات الإرهابية، يؤكد كذبها ونفاقها من جهة؛ ويؤكد من الجهة الأخرى ضلوعها هي وأدواتها بتزويد الإرهابيين بالمواد والأسلحة الكيماوية وبتدريبهم وتحريضهم على استخدامها.
إن إصرار واشنطن على الذهاب الى العدوان المباشر على سورية رغم اتضاح كل هذه الحقائق؛ ورغم افتضاح أمر الكثير من التفاصيل المتصلة بدعم أميركا المجموعات الإرهابية في سورية؛ يؤشر الى حقيقة واحدة يمكن اختزالها في أمر واحد هو أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا وقطر والسعودية وإسرائيل لا يمكنها تحمل وقع وتبعات الهزيمة في سورية.
وإن إصرار إدارة أوباما على الذهاب الى العدوان يؤكد أنها لم تدرك بعد حجمها الحقيقي في النظام العالمي الجديد الذي يتشكل، وربما يدفعها غرورها وعنادها والتصاقها العضوي بكيان الإرهاب إسرائيل الى تسديد فواتير سياسية واقتصادية وعسكرية لا تقوى على دفعها وتسديدها ولا قدرة لها على تحملها، وإذا كانت تعتقد أن تكاليف الورطة والمأزق الذي وضعت نفسها فيه، الإقدام على العدوان أو التراجع والإحجام عنه، باتت متساوية، فإنها تخطىء كثيراً في التقدير والحسابات لأن لقتالها -في خندق «القاعدة الارهابي» من عدمه -حسابات عالمية أخرى ربما تدركها لاحقاً وبعد فوات الأوان.