افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
الجَولة الرابعة لاجتماعات لجنة مُناقشة الدستور الحالية المُنعقدة في جنيف بمُشاركة الوفد الوطني السوري، والوفود الأخرى تُواصل عملها كما هو مُقرر، ووسط حالة من عدم اليَقين بإحراز تقدم عبّرَ عنها غِير بيدرسون قُبيل البدء بالاجتماعات عندما تحدث عن أهمية بناء الثقة داخل اللجنة، ذلك بلغة: إذا تَمَكنّا، وعندما أكد أنه لا يوجد برامج زمنية للنقاشات لكنّه شدد على العمل بطريقة تُحقق التقدم المَطلوب.
يقول بيدرسون: “إذا تَمكنّا من بناء الثقة داخل اللجنة سيكون لذلك أثر إيجابي على باقي الملفات”.
إذا كانت كلمات بيدرسون هذه تُشير فعلياً إلى غياب الثقة داخل اللجنة، فإنّها تُشير أيضاً إلى ما يُسجل له لجهة تَحليه بالواقعية خلافاً لمن سَبَقه، وهو الأمر الذي يُنظر له بإيجابية لكنّه لا يَكفي، ذلك على قاعدة عدم الاجتزاء ووجوب أن تُقال الحقيقة كاملة وليس جزءاً منها، بمَعنى أن تَجري مُلامسة مَوضوعية للأسباب التي تَجعل الثقة داخل اللجنة غائبة، أو أن تُعلن هذه الأسباب مرّة واحدة!.
طالما أنّ لبناء الثقة تلك الآثار الإيجابية التي تَنعكس على باقي الملفات، والتي من شأنها أن تُسهم بإحراز تقدم حقيقي، فما الذي يَحول دون بنائها؟ يَنبغي هنا تَسمية الأطراف التي تُعرقل، التي تُعيق وتَهدم، والتي تَتَعمد خلق كل ما يؤدي إلى الإخفاق أو إلى عدم التقدم، كنتيجة لا تَنتظرها إلا أطراف العدوان على سورية المُمثلة بوفود لا تَملك من أمرها إلا أن تقول ما يُقال لها.. لم ننس حضور مسؤولين أميركيين إلى جنيف لتَوجيه هؤلاء وتَلقينهم ما يُفجر الاجتماعات ويَمنعها من تحقيق أيّ تقدم!.
في الأسبوع الثاني من الشهر الماضي استضافت دمشق المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين، وقد نجحَ بوضع واعتماد مُرتكزات وطنيّة جامعة تَكفل- من جهة- العودة الكريمة للسوريين الذين هُجّروا قسرياً بسبب الإرهاب وبسبب ممارسات التنظيمات التكفيرية، وتُقفل- من جهة أخرى- بوابات الإتجار بمُعاناتهم تحت عناوين إنسانية كاذبة يُراد بها تَحقيق أجندات سياسية عَجزت عن تَحصيلها دول منظومة العدوان مرة بالحرب وتصعيد الاعتداءات، ومرة بتوظيف الحُثالات الإرهابية التكفيرية وتسعيرها، ودائماً بالإرهاب الاقتصادي عبر فَرض العقوبات الظالمة على الشعب السوري ومُؤسساته الرسمية، فما كان مَوقف أطراف العدوان من المؤتمر إلا فاضحاً كاشفاً يُعريها ويُسقط فبركاتها وأكاذيبها؟!.
الأمم المُتحدة كانت مُمثلة حاضرة، بل إنها شاركت بالعديد من مَحاور المؤتمر وعَناوينه، ويُفترض أنها وَقفت على أهمية المؤتمر وغاياته الوطنية والإنسانية النبيلة، فما الإجراءات التي تَصدت لها خلال الأسبوعين الماضيين استعداداً لعقد الجولة الحاليّة في جنيف؟ وما الحوارات التي بَدأتها مع الأطراف الدوليّة التي تَستضيف المُهجرين السوريين؟ بل ما الخطوات التي اتخذتها في إطار الرد على الخطابات المَوتورة التَّحريضية، وفي إطار ما يَجب عليها القيام به لجهة رفع العقوبات أحادية الجانب “الأميركية الغربية” الظالمة المَفروضة على الشعب السوري؟.
إنّ بناء الثقة ينبغي أن يَبدأ من العناية بجُزئيات ومُحددات وطنية هامّة خلافاً لما تُلاحقه دول العدوان بالإصرار على تَفخيخ جولات جنيف بمُحاولة القفز باتجاه طرح موضوعات سياديّة غير مقبولة، وإن الجُزئية المُتصلة بعودة المُهجرين تُعد جُزئية مُهمة جداً، ذلك أنه لا بُد من مُستوى أداء أممي تتصدى له المنظمة الدولية يَنطلق من نقطة مَركزية جَوهرها العمل على وقف مُحاولات تَسييس ملف المُهجرين، وكَشف مُحاولات الإتجار بهذا الملف الإنساني تَحقيقاً لمصالح اقتصادية وأجندات سياسية ذلك باستمرار الاستثمار القذر بمُعاناة المُهجرين، وبمُواصلة تَرهيبهم وعَرقلة عودتهم إلى وطنهم، وبالتالي مَنعهم حتى من الإسهام بإعادة بناء ما دمرته الحرب العدوانية واليد الإرهابية الصهيو- تكفيرية الآثمة.
واقعية بيدرسون بتشخيص الحالة، وبتحديد الهدف، أمر إيجابي يُبنى عليه إذا اقترن بفعل حقيقي يَضع حداً للتدخلات التي لا مَكان لها، وإنّ تَركيزه على مسألة العمل بطريقة تُحقق التقدم المَطلوب أيضاً هو أمر إيجابي إذا تُرجم مَواقف علنية تُسمي الأشياء بأسمائها، وما لم يَجر ذلك فإنّ شيئاً لن يَتحقق، إذ يَترتب على الواهمين والمُتوهمين أن يَفهموا أخيراً بأنّ من صمد وقاوم وثَبت وأحبط الأهداف الشيطانية للعدوان ومزّق مُخططاته، بالمُطلق لن يكون في وارده تقديم أيّ تنازلات تَمس السيادة والاستقلال الوطني.