الملحق الثقافي:فاتن أحمد دعبول:
قال عنه “سارتون”: “إن ابن الشاطر عالم فائق الذكاء، فقد درس حركة الأجرام السماوية بكل دقة، وأثبت أن زاوية انحراف دائرة البروج تساوي 23 درجة و31 دقيقة عام 1365 الميلادي، علما بأن القيمة المضبوطة التي توصل إليها علماء القرن العشرين هي 23 درجة و31 دقيقة و8،19 ثانية”.
كما أكد “إ.س. كندي” على أن “ابن الشاطر” عمل أكثر من تنقية نظام بطليموس، إذ برهن على خطئه، وفسر النظام الحقيقي للجهاز الشمسي، ولم تُعرف حقيقة ابن الشاطر إلا في وسط القرن العشرين، لأن نظرياته الفلكية القيمة سيطر عليها “كوبرنيكوس” وادعاها لنفسه، وأيده في ذلك علماء الغرب في الفلك مدة تضاهي خمسة قرون.
أما اليوم فإن المنصفين من المتخصصين في علم الفلك في العالم أجمع يسهرون ليل نهار على دراسة أعمال ابن الشاطر، محاولين بكل إخلاص رد الحق إلى أهله، ونتوقع أن يحمل لنا المستقبل مفاجآت مذهلة عن أعمال ابن الشاطر وإنتاجه العلمي.
وللتعريف بدوره الرائد وإنجازاته الكبيرة في علم الفلك، احتفت الجمعية الفلكية السورية بالتعاون مع مكتبة الأسد الوطنية، وضمن فعاليات أيام الثقافة السورية بندوة تكريمية حملت عنوان “ابن الشاطر.. أهم مخطوطاته وإسهاماته العلمية”، وقد شارك في هذه الندوة كل من “د. محمد العصيري” و المهندس “محمد خالد العاني” و “د. مختار طنطاوي”.
منهجه العلمي
توقف د. “محمد العصيري” رئيس الجمعية الفلكية السورية عند مخطوطات ابن الشاطر وأثرها في علم الفلك وقال: “إن منهج ابن الشاطر في البحث العلمي اعتمد على الرصد المستمر لحركة الأجرام السماوية وتغيراتها في المراصد الأساسية الكبيرة كمرصدي قاسيون والمراغة في بغداد، كما اعتمد على الملاحظة المسجلة يومياً، وأضاف إلى ذلك ابتكاره الآلات المناسبة للقياس وللحسابات الضرورية وتصحيح ما كان مستخدماً من أدوات قديمة.
واجتهد ابن الشاطر بالقراءة النقدية لما قدمه العلماء الذين سبقوه وكتبوا جداول حسابية، أو ما يعرف بـ “الأزياج”، وقد عرف بجرأته العلمية وعدم التخوف من التصدي للنظريات الكبيرة المسلم بصحتها كنقده لنظرية بطليموس.
وعرض بدوره ابتكارات ابن الشاطر العلمية، ومنها هيئة أفلاك الكواكب بالشكل السالم من الشكوك والموافق للأرصاد الصحيحة، بالاعتماد على الرصد والحساب، وتطابق هيئة الأفلاك على الوجه الذي ذكره، وعروضه مع حركات الأفلاك.
وبين “العصيري” أن “ابن الشاطر” هو أول من قال إنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب، فالشمس أحد هذه الكواكب، والأرض والكواكب تدور حول الشمس، والقمر يدور حول الأرض، وأيضا درس أفلاك القمر وحالتي خسوف القمر وكسوف الشمس.
ابتكاراته وإنجازاته
بدوره تحدث المهندس محمد خالد العاني عضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية عن إنجازات “ابن الشاطر” ومؤلفاته، وتوقف عند سيرته الذاتية فقال: إن ابن الشاطر هو أبو الحسن علاء الدين علي بن ابراهيم الأنصاري الدمشقي، ولد سنة 1304 ميلادي في دمشق، مات أبوه وعمره لم يتجاوز الست سنين، فكفله جده وسلمه لابن عم أبيه الذي أخذ عنه علم الحساب والهيئة والهندسة.
وكانت فضائله مشهورة، وعرف عنه عدم فخره بعلومه مع أنه لقب بالعلامة، وعمل رئيساً للمؤقتين في المسجد الأموي بدمشق، وقد اشتغل في الفلك بعد أن أتقن علم الحساب وتعلم صنع الآلات الفلكية وابتكر الكثير منها، فاطلع على ما كتبه بطليموس في علم الهيئة، وقام بدراسة ومناقشة مؤلفات من سبقه من علماء العرب واستفاد من الشكوك والانتقادات التي أوردوها على هيئة بطليموس، ووضع نموذجاً لحركات الكواكب متوافقاً مع ما أدركه بالرصد وأورده مع البراهين في كتابه “تعليق الأرصاد” وجرد الأصول ولخصها في كتابه “نهاية السول في تصحيح الأصول” ثم حرر ذلك وجمعه في كتابه المسمى “نهاية الغايات في الأعمال الفلكيات” وكان أحد علماء مدرسة مراغة التي تعد ثورة حقيقية في البحوث الفلكية، وقد أخذ “كوبرنيكوس الكثير من النظريات منه ونسبها إلى نفسه.
وبين العاني أن نشاطات ابن الشاطر العلمية والتقنية تجلت في تطوير الآلات التي ابتكرها ويمكن تقسيمها إلى قسمين، قسم يستعمل في الرصد، وآخر يستعمل في الحساب وتحديد مواقيت الصلاة، وقد امتازت جميعها بسهولة التصميم وتلافي التعقيدات التي وجدت فيما سبقها.
وعرض العاني لبعض اختراعات ابن الشاطر ومنها “اسطرلاب خاص لقياس الزمن”، وآلته هذه شكلت بدء الساعات التي وصلت إلى أوروبا مزولة، وهي ساعة شمسية وضعت على منارة العروس في باحة المسجد الأموي الشمالية، “صندوق اليواقيت بأعمال المواقيت”، “الآلة الجامعة”، “الربع التام لمواقيت الإسلام”.
أما مؤلفاته فيمكن ذكر بعضها “رسالة في الإسطرلاب” و “تسهيل المواقيت في العمل بصندوق اليواقيت”.. أيضاً “الأشعة اللامعة في العمل بالجامعة” و كتاب في الجبر والمقابلة، ورسالة في العمل بربع الشكازية..”.
إطلاق جائزة.. ابن الشاطر
أيضاً، أوضح الدكتور مختار طنطاوي بعضاً من سيرة الشيخ بسيط محمد الطنطاوي الذي تابع مسيرة ابن الشاطر، وقد ولد في طنطا والتحق بجامع الأزهر وأخذ عن علمائه الحديث والتفسير والفقه والحساب والميقات، واستطاع أن يصل إلى درجة عالية من العلوم حتى ذاع صيته.
ومن أهم آثاره المشهورة صنعه للبسيط في الجامع الأموي بدمشق، بعد أن طرأ خلل على بسيط ابن الشاطر المثبت على مئذنة العروس، فأصلحه الشيخ الطنطاوي، وعندما أعيد إلى مكانه انكسر، عندها قام الطنطاوي بصنع بسيط استغرق منه عامين كاملين، وكان يمتاز عن بسيط ابن الشاطر ويزيد عليه.
كما رسم الطنطاوي بسيطاً ثانياً جعل حسابه على الأفق المرئي ووضعه في جامع الدقاق في الميدان، وتميز أيضا في علم الهيئة السماوية والفلك بعد ابن الشاطر، وسجلت له رسائل عديدة منها حساب البسيط ورسمه وحساب الربع ورسمه وكشف القناع عن معرفة الوقت والارتفاع، كما أثبت أن علم الفلك لم ينقطع بعد ابن الشاطر كما زعموا في الغرب، بل استمر بالطنطاوي وكان لهذا الأثر الكبير في تاريخ الفلك.
وخلصت الندوة إلى التمني بأن يكون هناك مرصد سوري مؤهل على مستوى القطر، هذا إلى جانب وضع اسم ابن الشاطر إلى جانب كوبرنيكوس فيما ينسب إليه في نظرية النظام الشمسي، مع العلم أنه يستحقها كلها.
كما تمنى المحاضرون أن تتبنى وزارة الثقافة إطلاق جائزة لمن يقوم بتحقيق المخطوطات ودراستها وحماية التراث العلمي، إطلاق اسم ابن الشاطر على الجائزة.
التاريخ: الثلاثاء1-12-2020
رقم العدد :1022