الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
” أمريكا أولاً ” هي السياسة الأساسية التي اتبعتها إدارة ترامب ، وهي تتبع القومية الاقتصادية وتراجع العولمة ، كما أنّها تقوم على رفض آليات التجارة المتعددة الأطراف ، وتؤكد فقط على المزايا التجارية الفريدة للولايات المتحدة ، وترفض في الوقت ذاته أن تتحمل المسؤولية العالمية في الوقت الذي تتوقع فيه من الدول الأخرى أن تخدم مصالحها ، إضافة إلى أنها تنكر المكانة الجوهرية للأمم المتحدة في النظام الدولي مع محاولة الحفاظ على احتكار البلدان على أساس طمعها وغطرستها .
إنّ هذا الموقف السياسي يهدف إلى خلق نمط دولي فوضوي يتجاهل القواعد الحالية ، ويدمر النظام الدولي المترابط والذي تشكّل على مدى العقود القليلة الماضية ، وبالتالي فهو يسمح للولايات المتحدة بأن تكون أقل تحفظاً وأكثر تدخلاً من جانب واحد في الشؤون الدولية .
وهنا يمكننا القول إن ممارسة إدارة ترامب لسياسة ” أمريكا أولاً ” ، التي استمرت أربع سنوات ، كان لها آثار سيئة على جميع المستويات، كما أنّها تسببت بحدوث الكوارث في الولايات المتحدة والعالم .
فقد أدت عمليات الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ واليونسكو ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، والعديد من الاتفاقيات والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى إلى تقويض الجهود المهمة التي بذلتها جميع البلدان لمواجهة التحديات الرئيسية التي تواجه العالم ككل ، بشكل خطير جداً .
كما باءت بالفشل جميع الحروب التجارية ، من خلال وضع الحواجز التجارية ، والتي بدأها ترامب مع دول أخرى من أجل تعزيز الاقتصاد المحلي للولايات المتحدة وحل مشاكل التوظيف ، ففي الواقع أدت هذه الحروب التجارية إلى تفاقم الركود الحالي للاقتصاد الأمريكي ، كما أنّها قللت من فرص التوظيف ، وتفكك الوضع الراهن وسيكون من الصعب جداً إعادة تجميعه .
إنّ تمسك ترامب بسياسة ” أمريكا أولاً ” قاده إلى رفض التعاون الدولي في معركة العالم لمكافحة كوفيد – 19 ، الأمر الذي كان سبباً في أن تكون الولايات المتحدة من الدول الأكثر تضرراُ في العالم مع أكثر من 266000 حالة وفاة .
إضافةً إلى ذلك ، فقد أدت سياسة ” أمريكا أولاً ” إلى تصاعد استياء واسع النطاق في الداخل والخارج ، فاتباع هذه السياسة الأنانية أدى إلى تدمير المصداقية الدولية للولايات المتحدة وزادت من سوء المشاكل المحلية القائمة ، وقد كان رفض بايدن الكامل لسياسة ” أمريكا أولاً ” سبباً في انتصاره في الانتخابات الرئاسية ، فإدارته ستحارب بكل قوة لاستعادة الاحترام الدولي وتعزيز المصالح الأمريكية ، ومع ذلك فهناك خشية من قيام بعض السياسات المحلية على إعاقته في تحقيق ذلك .
فأولاً ، وبادئ ذي بدء لا بد أن يقوم بايدن بإعادة الولايات المتحدة للمشاركة بشكل فعّال في قيادة المؤسسات الدولية متعددة الأطراف لحل مشاكلها الداخلية والخارجية ، كما أنّه من المحتمل أيضاُ أن ينضم فريق بايدن إلى المشاركة في العمليات الدولية لمكافحة كوفيد – 19، وهو من الأولويات التي يجب على الولايات المتحدة أن تأخذه بعين الاعتبار .
ثانياً ، لابد أن يتبنى بايدن أيضاً العولمة ، وسيفتح السوق المحلية لمزيد من التدفقات التجارية الدولية ، وفي الواقع ستشهد حروب ترامب التجارية الكارثية نقطة تحول في ظل إدارته ، حيث قد يعمل فريقه على إيجاد بعض الطرق الممكنة لإنهائها ، وسيحاول إلى جانب ذلك تعزيز التنمية للتجارة الدولية قدر الإمكان من خلال المزيد من التبادلات النشطة مع البلدان الأخرى .
ثالثاً ، لا بد من تعديل سياسة ترامب الخارجية تجاه الصين ، فمن الناحية الموضوعية هناك حاجة ملحّة لدى فريق بايدن للتعاون مع الصين في العديد من القضايا ، فعلى الرغم من استمرار المنافسة بين هاتين القوتين العظميين يجب معالجة الكثير من القضايا الهامة مثل حل تحديات الوباء ، والتعافي الاقتصادي وتغير المناخ ، والتي تعد جميعها من أولويات بايدن بمجرد توليه منصبه من خلال التعاون الدولي ، وخاصة مع الصين ، وستكون متابعة الجهود التعاونية مع الصين عنصراً أساسياً في التخطيط الاستراتيجي العالمي المستقبلي لبايدن ، وسيكون ذلك بعيداً كل البعد عن التزام إدارة ترامب السابقة باتباع سياسة ” خسارة – خسارة ” تجاه الصين .
بدا واضحاً أن سياسة ترامب ” أمريكا أولاً ” تفتقر إلى الاتساق والتفكير الاستراتيجي ، ومن الواضح أنها تحمل السمات الشخصية لترامب نفسه ، باعتباره أنانياً ولا يمكن الوثوق به .
إن الفوضى التي أحدثها ترامب بسياساته المتعلقة بالشؤون الداخلية والخارجية ستجعل من الصعب على بايدن التخلص منها في فترة قصيرة .
بشكل عام ، تقف الولايات المتحدة على مفترق طرق مع انقساماتها السياسية والاجتماعية المحلية ، وستضع هذه المشاكل والانقسامات القيود على أي خطط قادمة مُحتملة بغض النظر عمن يحكم ، لكن سياسة ” أمريكا أولاً ” أثبتت أنها أضرّت بالبلاد أكثر مما نفعتها ، لكن هناك أمل لدى الكثير من الأمريكيين وحلفاء الولايات المتحدة بأن بايدن وفريقه سيكونون قادرين على إصلاح الأضرار الكبيرة التي لحقت بصورة الولايات المتحدة ومشاركتها على المسرح العالمي .
المصدر Global Times