التصوف الإسلامي الذي ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجريين كانت قد سبقته الغنوصية التي ظهرت عند الإغريق في القرنين الثاني أو الثالث قبل الميلاد، ثم تطورت بعد ظهور المسيحية التي واجهتها لأنها عملت على تحريفها أو في الزرادشتية أو البوذية اللتين نشأتا في بلاد فارس والهند، وهي خليط فكري ديني فلسفي تشكل من المسيحية واليهودية والبوذية والزرادشتية، ثم انتقلت إلى الإسلام بمسمى التصوف والغنوصية التي هي في حقيقتها مذهب باطني يرى أن الإنسان كلما تعمق بالروح تمكن من المعرفة واكتشفها وامتلكها وكلما قوي العرفان عرفت أسرار الكون والحياة.
هو بهذا المعنى لم يعد بحاجة للإله ولمن يقوده، والتصوف بالتعريف هو الانتقال من العالم الحسي المادي إلى العالم الروحاني، ووحدة الوجود تعني أن الإنسان يملك من العقل ما يجعله يمتلك قوة الإله، فالفرد والله وجهان لعملة واحدة لإنسان بقواه الذاتية والداخلية قادر على تغيير كل شيء بحسب زعمهم والتصوف الإسلامي ارتبط بالظروف الصعبة التي عاشها المسلمون في القرن الثاني الهجري من صراعات وحروب وتشتت أي واقع مادي حسي قاس هو الذي أدى للحاجة للهروب إلى العالم الروحاني، ولعل الوصول إلى هذا المستوى من الهروب من الواقع إلى الحلم والغيب هو ما أدى إلى ردة فعل عكسية ساهمت في ظهور المعتزلة كرد فعل عقلاني على التصوف الروحي والاحتكام إلى العقل، وهو ما أشار إليه الفيلسوف المغاربي محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي، وبالعودة للعنوان نجد في المؤلفات عند المتصوفة ولاسيما ابن عربي أن الإنسان قادر بقواه الروحية أن يكتشف كل شيء.
ويعتقد الغنوصيون أن الحب يماهي ويوحد المحب والمحبوب ويصبحان شيئاً واحداً، وكذلك التخاطر بحيث يحضر الشيء نفسه عند المتحابين وتؤمن الغنوصية الفردانية بالمعرفة التي تغني عن كل شيء والحاجة إليه بما في ذلك الخالق، فكل ما يحتاج إليه الغنوصي الصفاء الروحي، وتؤمن الغنوصية أن هناك شيئاً خارج الكون يحركه وهو روحاني – واعبد ربك حتى يأتيك اليقين – فاليقين هو تلك الشرارة التي تأتيك من القوى العلوية تغنيك عن كل شيء فهي سر المعرفة.
هذه الشرارة الإلهية العرفانية هي التي امتلكها انشتاين وغيره من العلماء الكبار، فأدركوا الحقيقة والمعرفة اللتين تغنيهم عن كل شيء فهم فهموا وعرفوا أسرار الكون وهم يعتبرون الماسونية الذين امتلكت مقدرات الكون سواء الفلك أو الاقتصاد والعلم وتحكمت بالعالم استمرار للغنوصية وإحدى تجلياتها، فعرفوا كيف يحركون العالم، ويتحكمون به بكل مفاصله، وهذا أمر غير معقول حتما ولكنها فلسفة ثمة من يؤمن بها ويدافع عنها ولاسيما الملحدون الجدد، ويرى عبد الرحمن بدوي أن هؤلاء يؤمنون بأن الإنسان الغنوصي عندما يصل إلى هذا المستوى من المعرفة لم يعد بحاجة إلى شيء فهو قادر على النجاة بنفسه من كل شيء وهذا ما يفسر عزلتهم عن المجتمع وترفعهم عن المحسوسات فهو غير محتاج للبشر وإنما إلى روحه فقط وهذا لا يعني كل المتصوفة بل عدد قليل منهم أو غلاتهم.
فالمتصوفة الشعبية يؤمنون بالورع والبساطة في العيش والزهد في الحياة والمحبة والاستشراف أي معرفة ما هو قادم أو حاصل عبر الكشف أي إنهم يرون بنور الله كما يرددون أو يعرف عنهم، ولعل عزلتهم تجعل نموذجهم حي بن يقظان في مجرته، حيث يعيش في عزلة عن العالم حياة تحلق فيها الروح متحررة من الرغبات والغرائز التي وفق فهمم تحط من كرامة الإنسان وفلسفة حياته.
إضاءات- د خلف المفتاح