الملحق الثقافي:هيام علي بدر :
منذ نعومة أظفاري، وأنا أشعر بأنَّ البحر يسكنني ويهدرُ في أعماقي. ذلك لأني ترعرعت في بيئةٍ ساحليةٍ، وضمنَ عائلة مثلما امتهنت الرسم والنحت والخط، امتهنت أيضاً، تشكيل لوحاتٍ من حجارةٍ خاطبت بها العالم بالكثير من المحبةٍ والإنسانية.
أدوات لوحاتي حجارة وحصى البحر.. أستخرجُ من أعماقهِ ما يُلائمُ أعمالي، وأحمله إلى حديقة منزلي. طبعاً أنا امرأة عصامية أعتمد على نفسي في إحضار الحجارة من مناطق بعيدة وبأصعب الظروف.
أستمد مواضيعي من التراث والبيئة والمحنة السورية، ولقد ابتكرت مالم يبتكره فنان في العالم، وهو تثبيت أعمالي على مرايا أو خشب أو قماش واستعملت اللون «أي الريشة» في خلفيات لوحاتي الحجرية التي هي خاماتي الفنية.
لقد تناولت في تشكيلاتي قضايا عديدة تحاكي الإنسان السوري ومعاناته، وكان أغلبُ ما جسدته ينضحُ بالحياة والإحساس والمشاعر التي تحكي عن معاناة إنساننا في ظلِّ الحرب التي أوجعته، وعن الأمومة والأطفال والشهداء والفقراءِ والحبِ وكل ما كان هدفي من تجسيده، إيصال رسالة محبة وسلام تواجه العالم، بأن السوريين هم شعب ذو حضارة ويحب الحياة والسلام. شعبٌ لايزالُ ورغم الحرب والدمار، يقدمُ كلّ فنٍّ عظيم.
إنه الفن الذي جسدته من خلال لوحات مفكَّكة من صنعِ البحر الذي عشقته حدّ محاورتي لحجارته. الحجارة التي أردت من اختياري لها، مواجهة الحياة بإرثٍ سوري أصيل، وفكرٍ فني عميق في قدرتهِ على ترتيب اللوحات المبعثرة بطريقةٍ تشكيلية لا علاقة لها أبداً بفنِّ النحت..
أشعرُ هذه الحجارة تناديني لأقضي معها أجمل الأوقات، ومع أجمل التشكيلات..
هي لم تنادني فقط، بل نادت جميع أفراد أسرتي، فأنا من عائلة تعتني بالفن وتهوى التميز، وقد كانت بداياتي منذ حوالي خمس سنوات حيث كنت من المتابعين لأعمالِ أخي المبدع «نزار» الذي كان أول من ابتكرَ في العالم، فن التشكيل بحجارة صافون. تأثرت عموماً بهذا الفن، وكان ما أثَّر عليَّ بشكلٍ خاص، الأعمال التي شكَّلها، والتي أثّرت بي بدقَّتها وقدرتها على بعثِ الحياة في الحجر.. أثّرت إلى الدرجة التي بإمكانها أن تجعل دموعي تنهمرُ على خدي.
إنه عشقٌ للفنٍّ السوري المتميّز في اختياراته الحضارية. الفنُّ الذي بذلت جهوداً مضنية لأتمرّس به، فمنذ بدأت بممارسه حتى برعت في تشكيل لوحاته، وأنا أذهب إلى السواحل السورية البعيدة عن مكان سكني لاختيار الحجارة التي تلزمني.. إنه أمر مُتعب ولاسيما مع تقلبات الطقس، وارتفاع حرارته أو شدة برودته، من أجل أحجار معينة أجدها وأنظفها وأفرزها بما يناسب لوحتي، رغم ذلك، أشعر بسعادة لا توصف وأنا أجمع أجمل الحصى والحجارة التي أعتبرها ثروتي.
كانت رسالتي من هذا الفنّ وستبقى: لكلّ منا أهدافه، ولأنني أعشق وأحبُّ الحياة، اخترتُ هدفاً لوَّنتُ لأجله حلمي، بالأمل والفرح والحب والإنسانية، هدفي أن تصل لوحاتي لكل العالم لتقول كلمتها الصادقة، بأننا شعب يحب الحياة والسلام، والحروب ليست سوى أدوات لهدم الحضارات والإنسانية، وأن هناك أملاً نعيش لأجله.
نعم هو الأمل. الأمل بحياةٍ شاركت للارتقاء بها، بعملٍ واحد في معرض ملتقى عشتار الدولي في القاهرة، وكان لي معرض فردي في مدينتي اللاذقية، وقد شاركت بحوالي مائة عمل مثبت، ومن خلال هذه الأعمال قدمت ما حدَّثته بهذا الفن، حيث قمتُ بتثبيت أعمالي على الحصى، وعلى حصى صغيرة جداً، بل وعلى المرايا والقماش والخشب والسيراميك، وقد دعيت لمعارض في العراق والمغرب واليونان ولكن ارتأيت الابتعاد عن المعارض بسبب الظروف القاهرة التي تمر بها بلادي، والتي جعلتني أقيم معرضي الدائم في حديقة منزلي الذي يستقطب محبي هذا الفن من أغلب المناطق السورية.
التاريخ: الثلاثاء8-12-2020
رقم العدد :1023