الثورة أون لاين – ريم صالح:
تترنح فرنسا اليوم على وقع تداعيات القانون العنصري الجديد “الأمن الشامل” الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا، ومن شأنه تقييد حرية الصحافة والإعلام، فهذا القانون الذي يمنح الشرطة الفرنسية المزيد من الحماية، وعدم مساءلتها إزاء أعمال القمع والبطش الذي تمارسه بحق المتظاهرين المطالبين بحقوقهم الاجتماعية والإنسانية، يطرح جملة من الإشكالات تعيد إلى السطح الجدل حول مسألة حرية التعبير وحرية التظاهر التي تدعي الحكومة الفرنسية، كغيرها من الدول الأوروبية حرصها على احترام تلك الحريات، بينما في الواقع هي تقمعها بشدة.
المظاهرات الأسبوعية ضد هذا القانون، والتي تجددت يوم أمس في كل أنحاء فرنسا باتت مصدر قلق لحكومة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يجد نفسه محاصرا بعدة أزمات سببتها سياساته الداخلية الفاشلة، حيث ردود الفعل الشعبية الرافضة لمشروع القانون تتزايد في خضم استعداد الحكومة لتطبيقه، وقد وصفه الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية بأنه ضد حقوق الإنسان، ويقيد حرية الصحافة، وهذه الأزمة الجديدة لحكومة ماكرون تأتي في سياق التحديات التي تشهدها فرنسا على أصعدة مختلفة منها ما هو متعلق بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا، لكنّ أكثر ما يثير الحساسية لدى الفرنسيين هو ما يتعلق بالحريات الفردية وعلى رأسها الحق في التعبير وفي التظاهر، والتي يعتبرها كل الفرنسيين غير قابلة للمزايدة أو التنازل، على اعتبار أنها أهم مكاسب الجمهورية الفرنسية، حيث تعتبر حرية الصحافة وحرية الإعلام وحرية التعبير حجر الزاوية في بناء الجمهورية وأسسها وفق عرف الفرنسيين، ولكن ماكرون يحاول القفز فوق هذه المكاسب.
المظاهرات الاحتجاجية المتواصلة، لا شك أنها تعمّق من عزلة ماكرون داخليا، فجميع القوى السياسية من اليمين ومن اليسار عبرت عن تحفظها على هذا القانون الجديد الذي ترى فيه أنه يفتح جبهة جديدة كانت الجمهورية الفرنسية في غنى عنها، وهذا الأمر من شأنه أن يقلل حظوظ حزب ماكرون في الانتخابات القادمة ويضعه في وضع حساس جدا.
وتعد المادة 24 من أكثر نصوص مشروع القانون إثارة للجدل، إذ تنص على عقوبة بالحبس سنة وبغرامة قدرها 45 ألف يورو لبث صور لعناصر من الشرطة والدرك بدافع “سوء النية”.
ويعتبر معارضو مشروع القانون أن النص يحد من حرية الصحافة، ومن حرية التعبير والتظاهر ويؤسس لـ”مراقبة جماعية”، وتعزّزت هذه المخاوف بعد نشر تسجيل يظهر تعرّض شرطيين لمؤلف موسيقي أسود بالضرب في 21 تشرين الثاني.
وإزاء الانتقادات الحادة للمادة 24 تركت الحكومة للبرلمان مهمة إيجاد صياغة جديدة للمادة علما أن مشروع القانون سيعرض على مجلس الشيوخ في كانون الثاني القادم.
وفي مطلع هذا الشهر سعى ماكرون إلى التهدئة عبر التنديد بالعنف الممارس من قبل بعض عناصر الشرطة، ولكن هذا التنديد لم يشفع له من قبل الفرنسيين الذين يؤكدون على مواصلة احتجاجاتهم حتى إلغاء هذا القانون العنصري الجديد.