الثورة أون لاين – فاتن حسن عادله:
لم يبق الغرب على وسيلة واحدة أو أسلوب واحد من أجل التسلل إلى مجتمعات وعادات وتقاليد وعقائد شعوب المنطقة للنيل منها، كغزوها واحتلالها وضربها واستهدافها عن طريق الحروب المباشرة، بل استخدم أساليب أكثر خبثاً للسيطرة على تلك المجتمعات وخاصة مجتمعاتنا العربية لتفكيكها من الداخل وجعل كل فرد منفصلاً عن الآخر، تارة عن أسرته، وتارة عن مجتمعه وكذلك عن بيئته ومحيطه، تمهيداً للانفصال عن دينه ووطنه ودق أسافين بينهما.
والأخطر من ذلك عمل حتى على دفع الفرد على الانفصال عن نفسه وذاته، وهو ما بات يشكل ظاهرة واضحة وخطيرة تغزو مجتمعاتنا بفعل دس الغرب لسمه فيما يقدمه لتلك المجتمعات، لجعله في حالة اللا منتمي لشيء من أسرته ومجتمعه ووطنه، وبالتالي الدفع به نحو هاوية الفوضى والغرق بها بحجة تقديم ثقافات وأساليب تطور تتناسب مع ما يحدث، ومع ما يتناسب مع متطلبات الجيل التي لا بد من تطعيمها بما يختلف عما تربى عليه آباؤه وأجداده، ولا بد من أن ينفتح على كل ما يطرح وما يقدم له من سلع، حتى بات سلعة تشترى وتباع وهو ما فعله مال البترودولار، وفي مرتزقة الحرب الإرهابية على سورية أحد تلك الأمثلة التي تؤكد الانجرار وراء أهواء وأهداف الغرب دون أدنى تفكير بتداعيات ذلك، إضافة لمحاولة كل فرد الانفصال عن أسرته حتى غدت الأنانية تحتل مكان الحب والمحبة والود والخير والغيرية والانتماء.
ولحصول الغرب على مبتغاه وتحقيق أهدافه في مجتمعاتنا والاصطياد فيها من خلف الكواليس سعى لتسويق وترويج وتقديم خدمات وإعلانات وبرامج تسلية وغيرها، وإغراء المواطن والفرد بها، بينما في ظاهرها شيء يختلف عن الأهداف الحقيقية التي وجدت من أجله، من هذا مثلاً إتخام عقله بمئات الفضائيات والتكنولوجيا المتطورة من هواتف محمولة وحواسيب، وإتخامها بملايين المشاهد والصور ومقاطع الفيديو والقصص والحكايات والتفاصيل التي لا تهمه بغالبيتها وإلهائه بها، تمهيداً لفصل إنساننا العربي عن أي مبادئ أو قيم أو انتماءات أو عقائد، وبالتالي إشغال وقته وتضييعه وملئه بكثير من الفوضى لإلهائه عن قضاياه الرئيسية والحياتية والأسرية والدينية والوطنية، وهي نقطة خطيرة لما لها من خفايا تقود إلى الانحلال الأخلاقي تمهيداً للسيطرة على العقول ومنها السيطرة والتحكم بالمجتمعات دون أدنى إرهاق أو تعب، لأن في السيطرة على الفكر تدمير لكل شيء بحيث يمكن إدارته والتحكم به وتوجيهه كما يريد العدو.
إذاً تدمير الأخلاق وتدمير الفكر هو الطريق الأسهل للعدو من أجل جعل مجتمعاتنا في حالة من الانحراف والانحلال والتفكك، وهو أخطر أنواع الإرهاب على حياتنا، تدفع به آلة الحرب الغربية وأدواتها بأشكالها المتعددة عبر أشكال وأساليب مختلفة وعبر إدخال ثقافات لمحاصرتنا من كل الاتجاهات، المستهدف منها من فئات المجتمع الشباب والشابات والأجيال الصغيرة التي تشكل لبنات بناء المستقبل، لإقحامهم في مواضيع لا تهمهم وتفاصيل تنسيهم ما هو الجانب الأكثر أهمية للحفاظ عليه أمام هذه التيارات المتلاحقة من الغزو والاحتلال الناعم، إن صح التعبير.
من هنا فإن الغرب يحاول إشغالنا عن قضايانا الأساسية باستغلال نقاط الضعف عند أصحاب النفوس المريضة والضعيفة وغير القابلة للتفكير والتحليل، وربط مجريات الأحداث وتبعاتها مع بعضها للوصول إلى الخيوط، عبر تقديم بدع تارة، وعبر التهجم علينا تارة أخرى، وعبر خلق فتن من أجل نشر الفوضى، ونشر الكراهية ودس الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وصولاً إلى جعل الفرد نفسه داخل الأسرة الواحدة في حالة من اختلال التوازن الفكري والأخلاقي.
أمام هجمة الغرب المسعورة والرخيصة هذه، وسياساته اللا أخلاقية ضد وجودنا ووحدتنا وكياننا وأخلاقنا وديننا لا بد من إعادة خلق التوازن عبر استثمار واستغلال ذات الأدوات والأساليب التي يحاول بها ترهيبنا، وعبر إعادة خلق نسيج فردي وأسري يندمج بشكل صحيح وسليم مع المجتمع الأكبر، للتخلص من نقاط الضعف وبالتالي النهوض بوطن أكثر أخلاقاً وفكراً وديناً، وهو ما كان قد ركز عليه السيد الرئيس بشار الأسد في لقائه الأخير مع العلماء والعالمات في وزارة الأوقاف خلال الاجتماع الدوري للوزارة بدمشق.