ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
من المبكر الحكم على تداعيات ما حدث في جنيف، خصوصاً أن المخاض الطويل الذي سبقه لم تتضح جميع تفاصيله، ولم تظهر كل معطياته، لكن حركة التزاحم في إبداء المواقف من الاتفاق الروسي الأميركي تشي بأن من راهن على العدوان يكتفي اليوم بإحصاء الحصى- في طبخات لم ولن تنضج.
ورغم تظاهره بالانشغال في تفقد المواقد التي أشعلها، فإنه لم يتأخر في اللحاق بمرتزقة النفخ في النار ليعيد معهم ترتيب حساباته على عجل، وأعينهم جميعاً التي غفلت عن الراعي الأميركي حين كان يخادعهم بتشغيل محركات بوارجه والإصرار على بقائها لبعض الحين، لم تغب عن متابعته وهو يتكلم بلغة جديدة وغريبة عنهم، ويستخدم مفردات لا يعرفها قاموسهم.
ربما لم يعدوا العدة الكافية لهذه اللحظة، ولم يتوقفوا بما يكفي عند هذا التباعد المفاجئ في المواقع وحتى الوظائف الموكلة مؤقتاً أو تلك التي تصنف في الإطار الاستراتيجي، ولم يدققوا جيداً التنافر الحاد بين ما يصرّون عليه وما يذهب إليه الأميركي، رغم محاولاته المتكررة الجنوح نحوهم سواء تعمد ذلك أم بحكم الإدمان على العلاقة الدافئة التي تحكمه مع الكثير من داعمي التنظيمات الإرهابية.
في كل الأحوال لا تبدو القضية مرتبطة جزئياً ولا كلياً بتلك الاعتبارات، بقدر ما تعكس واقعاً ينفذ بشكل تلقائي نحو حصيلة غير متوقعة، زرعتها وتزرعها الشكوك المتبادلة، حتى باتت أميركا بين ليلة وضحاها تستعيد صورة الشيطان بعدما كانت الملهم لهم ولممارستهم.
ما جرى ليس انعطافاً في علاقة شرّعتها المصالح الأميركية، وأجازتها المطالب الإسرائيلية، بل تحوّل في طبيعتها يقتضي في الحدّ الأدنى العودة إلى الاشتراع أمام ممول لا يزال يضخ من «حر» عائلته و«حلال» دوره المؤتمن عليه منذ لحظة وجوده وحتى الآن، لكن هذا الافتراق لم يأخذ طريقه إلى العلن إلا مع الكلمات التي أطلقها كيري في جنيف، التي دشنت ممراً إجبارياً نحو البحث والحديث في طلاق بائن تزداد مؤشراته.
لم يلتزم الأميركي بما يقتضيه عهد المزاوجة بين المصالح الأميركية ومعادلات الإرهاب المتنقلة، بعد أن انتهت صلاحية الاستخدام مؤقتاً، ولم يلزم نفسه مشقة إخبار حلفائه في ترتيبات فضّ الشراكة التي كان عمادها تفخيخ الأزمات العالمية، بحكم أن الشريك الجديد فرض شروطه وتوجهه لإدارة هذه الأزمات بعيداً عن الحضور الفرنسي والبريطاني المعتاد في محافل التقاسم الدولي.
حاول الفرنسي أن يعوّض غيابه الفعلي مادياً ومعنوياً بالمسارعة إلى تقديم إضافات من خارج النص، وتكفل البريطاني بالإسهاب في شرح ما توهم أنه بين السطور، فيما الأميركي كان يحضر بذاته ليشرح للإسرائيلي ما عصي عليه أو ما صعب أن يصدقه، وأن الحديث عن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل لا يعني أن أميركا لاتعرف الهواجس الإسرائيلية، وهي الدليل على أنها غير جادة في الموافقة على تقاسم المشاركة مع الروسي أبعد من هذه الخطوة.
على المقلب الآخر كانت الأدوات والمرتزقة تسارع إلى الرفض من باب التذكير بوجودها وبحضورها بعد أن تعمد الأميركي تجاهلها إلى درجة أنه لم يلحظها في جدول لقاءاته، ولم يذكرها حتى في الهوامش الجانبية واللقاءات المعدة على عجل بحكم التطورات الأخيرة.
قد يكون من السابق تقديم قراءة تفصيلية في أطوار التبدل الناشئة على وقع ما يشهده الحدث من متغيرات، لكن بالتأكيد يمكن التمعن في العناوين التي تصطف اليوم على ضفتي الحدث رفضاً وقبولاً..شرحاً وتفسيراً.. تحليلاً واستنتاجاً، خصوصاً وسط هذا التموج في ردات الفعل على ما جرى وتحديداً من أُسقط في يده وكان عاجزاً عن إخفاء خيبته.
لقاء جنيف وما تمخض عنه يمهد لموائد متعددة، لكنه يعيد تقسيم المشهد إلى كفتين تتأرجحان وسط غيبوبة سياسية تفرض حضورها ووجودها، وفي ظل تهافت لن يتوقف بالضرورة أمام تدحرج لكرة الثلج التي تكشف بقايا ما تخلفه وراءها فتميط اللثام عن الكثير مما جرى في كواليس الفنادق وأقبية القاعات وأروقة العواصم المختلفة.
a.ka667@yahoo.com