الملحق الثقافي:محمد الهادي الجزيري : شاعر تونسي
طبعاً دمشقُ وهل في الأرضِ ساحرة
إلاّ دمشقُ تبثّ النبضَ في الحطبِ
هي المقيمةُ في صمتي وأوردتي
وفي صهيلي إذا حَمحمتُ من كُرَبي
أحبّ فيها جنوناً لا مثيل لهُ
تحيا بـ « لا « وتصدُّ الرمل بالكتبِ
خطيئتي هيَ منذُ البدء، كنتُ أنا
جدّي القديمَ وحتّى اليومَ لم أتبِ
هل الهداية إلا أن أطوف بها
مقبِّلاً جرحها رغماً عن النُصبِ
هي الحبيبةُ هل شكٌّ يخامركم
يا أهل حزني وهل هذا الغبار أبي؟
دمشق من لا ترى أفضالُها يدَها
تمنّ خجلى وتحمي الأهل بالهُدُبِ
ما حزّ في النفسِ تسييج الغبارِ لها
بل غدر جوعانَ محسوبٍ على النخبِ
دمشق عشقي وما في الأمرِ من عجبٍ
سوى انتمائي ومن أهوى إلى العربِ
بحثتُ في كتبي والأرض عن شبهٍ
لمن ذكرتُ ولم أحصلْ على طلبي
قومٌ من الخزي لا علم ولا عمل
ولا وفاء ولا نزر من الحسَبِ
أحفادُ أحفادِ من قالوا لأمّهمِ
بولي على النار .. فانثالت على النسبِ
تفّاحة القفر لن يحظى الغبارُ بها
وإن غدا الدَّم لون الأرضِ والسحبِ
وليزحفِ الهول لا رأس بمنخفضٍ
من المآسي ولا دمع بمنسكبِ
وحقّ من وقفوا حتّى انتهوا شجراً
لا موت في العزّ إنّ الموت في الهربِ
هنا دمشق وأبطال بها شغفوا
والوحشُ مختبئ ٌفي جحرهِ الخَربِ
أحفاد آلهةٍ حفّوا بها وقضوا
أن يشرب الوحش كأس السوء والعطبِ
هبّوا وكلّ فتى في كفّه دمهُ
والكلّ يصهلُ يا سورَّية اختضبي
لا تحزني أبداً فالنصر تابعنا
ويستدلّ بنا كالاسمِ باللقبِ
صبراً جميلاً فقط إنّا على مهلٍ
ندوسُ أضلعهم خوفاً على العشُبِ
لن نأمر الموت بالتفريطِ في شبحٍ
حتّى يولول «يا ركضي ويا خببي «
وحقّ ما شابَ من غيمٍ حرائرَنا
سينتهي الوحشُ أشكالاً من التُربِ
له الشوائب والأوحال تذكرهُ
بكلّ فخرٍ ولا حلف بلا سببِ
لا يجمع العار إلاّ من بهم سبب
للانمحاءِ ولا داعٍ إلى العجبِ
تحالفَ السوس والجرذان فاجتمعوا
على الفسادِ وظنّوا الحصن من خشبِ
عصر المسوخ فكم جرذ بمسبحةٍ
وكم رأى الناسُ من كلبٍ بلا ذنَبِ
يا قلّة الزاد قلّي إنّ أغنية
تكفي الرفاق وهذا المجدُ كالرُطبِ
تُخفي الكلاب عن الدنيا ملاحمهم
منها النباح ومنهم صولة النجبِ
تفّاحة القفر تعلو وهي نازفة
سبحان مثخنة تعلو من الغضبِ
هي البهيّة لا تخفى ضراوتها
عن الدنى وتقول الشعر باللهبِ
هي المثيرة للعشاقِ تشغلهم
عن الوفاة، وقد شاخوا ولم تشِبِ
تمرّ بي فأصبُّ الكأسَ في لغتي
ليسكر الناس طول الدهر والحقبِ
وما أصبّ سوى حُسن تعتّق في
قلاعِ مجدٍ فما خمري من العنبِ
خمري ابتسامتها في عزِّ صولتها
وسيف نظرتها في عينِ مغتصبِ
مجروحةُ الحُسن تسقيني ولا عجبٌ
إذا ترنّحتُ بين الحزنِ والطربِ
سكران ممّا بها فهي التي جمعتْ
سحراً وحزناً وآيات من الأدبِ
وهي التي تنبع الأمجادُ من دمها
لهيبَ غضبتها يُشفي من الكَلبِ
هي السلامُ ولكن لا تردّ على
غدرِ اللئام بـ « يا ويلي ويا حَرَبي «
بل كلما احتشدوا في دربِ خطوتها
تمرُّ فيهم مرورَ الريح في القصبِ
فتزعج الأرضَ أصواتٌ مولولة
منها الجموح ومنهم كثرة الصخبِ
الله أكبر تمضي نحو وجهتها
رغما عن الظمأ الجبّار والسغبِ
تخفي الجراح وتدعو المُحْدِقين بها
إلى الصدامِ كمن يدعو إلى اللَعبِ
فإنّها كلّما اشتدّت مصائبها
تغدو فتاة تحبّ اللهو باللُعبِ
تمزّقُ القرد والطرطورُ تثقبه
يا كم أضافت إلى الطرطور من ثُقبِ
في حضرة الله تلهو تحت نظرتهِ
وتملأ الأرضَ بالأوصالِ والزغبِ
دامتْ معزّزة والغادرونَ دُمى
يرونَ سحنة عزرائيل عن كثبِ
تفاحة القفرِ عاثَ الأهل في دمها
ولم تزل باسمهم تشدو فيا عجبي
غريبة تحت ظلّ الله مؤمنة
بالله، حبلى بنور الله والكتبِ
عجيبة هي تسقيني ابتسامتها
وتترك الحبّ يضنيني ويعبث بي
جديرةٌ بفنائي في محبّتها
وحبّها لي يُعلّيني على الشهبِ.
التاريخ: الثلاثاء22-12-2020
رقم العدد :1025