الثورة أون ﻻين – آنا عزيز الخضر:
شكل الابداع السوري عبر جميع أشكاله ومجاﻻته الصورة المشرقة للانتماء: مسرح ،سينما، وأعمال تلفزيونية ،معارض للفن التشكيلي وغيرها… وقد تجلى عبر ذاك الابداع دوما حب الوطن وتقديسه، كما تمجيده والدفاع عنه وعن عزته، وحمل رسائل وطنية تبرز التمسك الراسخ ابدا بالانتماء ، حيث لم يخرح عمل الى النور ،إﻻ وكان الوجه الاخر لتقديس الوطن ،وقد طرحت كثير من الفعاليات الثقافية هذا الجانب تحديدا، وحاولت نقل و تصوير هذه الحقائق عبر برامجها الثقافية مثلما كان مؤخرا عبر (نوافذ) في مجمع دمر الثقافي، حيث عودونا على التعريف بالنتاجات الثقافية والابداعية المستمرة في المشهد الثقافي السوري، واشراقاته المستمرة في زمن الحرب بالرغم من كل الصعوبات.. وكان في محطتها الاخيرة اللقاء مع محمد سمير الطحان ،ليخبرنا عن تجربته الابداعبة في زمن الحرب، وكانت في مجاﻻت عدة في مجال القصة القصيرة،في المسرح ،والسينما ، وجمعيها كانت مأخوذة بهموم الوطن حيث تم ابداعها زمن الحرب ،وقد تم العرض للعديد من الافﻻم القصيرة، التي أخرجها منها رائد الفضاء…حول الابداع في زمن الحرب تحدث سمير الطحان عن تجربته قائﻻ:
خلال سنوات الحرب عانينا جميعا من ازمات عامة وخاصة، وعن نفسي فقد وجدت في الكتابة عموما ملجأ لتطبيب روحي ،مما اصابها من شروخ عميقة، واردت من خلالها ايضا تطبيب ما استطعت اليه سبيلا من ارواح مكلومة ، فتوجهت للقصة القصيرة والسيناريو السينمائي ،وفيما بعد للكتابة المسرحية ،الى جانب استمراري في عملي الصحافي، الذي اخذ بعدا توثيقيا اكثر خلال السنوات العشر الماضية ،عبر سلسلة من الحوارات، اجريتها مع مبدعين سوريين من كامل الجغرافيا السورية ،وحتى من خارجها ربما كان سعيا مني لجمع شتات هؤلاء المبدعين في سياق ثقافي وطني، واحد مما انتج مئات الحوارات في شتى صنوف الثقافة ،والتي يستند عليها اليوم في عدة دراسات اكاديمية حول الفن السوري .
وبالعودة لكتابة السيناريو فالبداية كانت مع سيناريو فيلم الدمية المحاصرة الذي فزت من خلاله بجائزة مسابقة سيناريو سينما الاطفال بدورتها الاولى، والتي اطلقتها المؤسسة العامة للسينما عام 2015 ، وبذات الوقت كنت كتبت سيناريو فيلم اللعبة واستفدت من حماس عدد من زملائي في وكالة سانا لنقوم بتنفيذ هذا الفيلم كعمل جماعي بدون جهة انتاج، وكان ذلك في ظروف غاية في الصعوبة، وبمساعدة طاقم فني متطوع ومميز من الفنانين والفنيين .
فيلم اللعبة صور على مدى يومين في دار الاوبرا وشاءت الاقدار ان يعرض الفيلم بذات الصالة، التي صورناه فيها ضمن عروض تظاهرة انتاجات لاول مرة في الدورة الرابعة من مهرجان سينما الشباب والافلام القصيرة عام 2017 .
فيلم اللعبة يطرح في اقل من عشر دقائق موضوع فقدان فتاة لحبيبها بسبب الحرب، وما تركه من ألم وانكسار لديها، وكيف استطاعت ان تخرج من هذا الانكسار بقوة الارادة والتحدي للواقع الصعب ، واستخدمت فيه الاسلوب التعبيري من خلال التناوب بين الرقص والاداء الايحائي خالطا بين الحلم والواقع ضمن الامكانات التقنية والفنية البسيطة ،التي كانت متاحة لنا في وقتها.
نفذت بعدها الفيلم القصير بعنوان اشارة حمراء ضمن منح مشروع دعم سينما الشباب، والذي عرض ضمن مسابقة الدورة الخامسة من مهرجان سينما الشباب والافلام القصيرة ، وبعدها عرض ضمن تظاهرة ايام دمشق السينمائية، ونال تنويها من لجنة التحكيم ، وهو فيلم يحكي قصة طفل فقير ،يبيع الورد على اشارة المرور ، يدفعه احساسه المرهف وشغفه الفطري بالموسيقا لدخول معهد فني، ليرى ويسمع من اين تأتي تلك الالحان الجميلة ، وهناك يشاهد فتاة صغيرة جميلة، تبتسم له فيبادلها الابتسامة الا ان تلك السعادة الصغيرة لم تدم طويلا لتمتد يد المستخدمة الى اذنه ،وتسحبه منها وترميه خارجا مكسورا محطم الفؤاد ، ليعيش بعدها حلمه الذي نظنه واقعا ،وليكتشف في النهاية ان الواقع اقوى من الحلم، فيتمرد على ذلك الواقع بلقطة ختامية ،نشاهد فيها وجهه الغاضب باللون الاحمر؟ وهو ينظر بكل تحد الى تلك الاشارة الحمراء، التي تمنعه عن كل اسباب الحياة.
وجاء بعدها فيلم رائد فضاء الذي نفذته ايضا ضمن منح مشروع دعم سينما الشباب بدورته السادسة، وهو فيلم مدته اقل من عشر دقائق، نرى من خلاله ومن اللحظات الاولى تعلق الطفل رائد بحلمه بأن يكون رائد فضاء، حتى يقف امام معلمته الجديدة ويخبرها بهذا الحلم ،ولكن سوء تقدير تلك المعلمة الشابة جعلها تسخر بغير قصد من ذلك الحلم رابطة اسمه بحلمه مما يتسبب له بالغصة والالم ، ولكنها سرعان ما تشعر بضرورة مصالحته لتعاود سؤاله في مكان ثان عن سبب رغبته، بأن يكون رائد فضاء، لنكتشف ان سبب حلمه هو رغبته بالصعود الى السماء، ليرى والده الشهيد ،الذي اشتاق له كثيرا.
وبذات الدورة السادسة عرض فيلم من كتابتي بعنوان قضبان المدينة، ولكنه ليس من اخراجي وهو يتحدث عن طفل تشرد مع اختيه الصغيرتين في
الشوارع بعد موت والديهم بسبب الحرب ، ونراه كيف يسعى جاهدا لتأمين لقمة عيشهم رغم كل الصعاب والتحديات وبأسلوب يعتمد على التشويق والمفاجأة في النهاية.
وقدمت العام الماضي عرضا مسرحيا بعنوان الطين الاحمر من تأليفي واخراجي على خشبة مسرح القباني وضمن منح مشروع مسرح الشباب التابع لمديرية المسارح والموسيقا، وهو ايضا يركز على المرأة ،وما ألم بها من انكسار بسبب الحرب بأسلوب تجريبي، يخلط بين السينما والمسرح….
وحول الهموم الكثيرة التي يعيشها الانسان السوري أكد المبدع ان مايشغله
في عالم الكتابة هو الطفل والمرأة ،وما ألم بهما من انكسارات وشروخ في عالمهما الداخلي سواء في الروح ام في الفكر، واحاول رصد تلك الشظايا واخراجها للعلن، وتسليط الضوء عليها لان بداية التداوي، تكون بتطهير الجروح وإخراج ما اصابها من تقرحات والتهابات ، وذلك ضمن حالة تراعي الواقع والظروف المحيطة والامكانات المتواضعة المتاحة.
نفذت هذا العام فيلما وثائقيا بعنوان نساء من سورية عرض على قناة السورية الفضائية، وهو ضمن سلسلة وثائقية اعمل على تنفيذها ، وهي تركز على الجانب المشرق في المرأة السورية وقدرتها على تحدي الظروف الصعبة والواقع الرديء عبر تقديم نماذج ناجحة من المجتمع السوري ،استطاعت ان تثبت ذاتها خلال سنوات الحرب .
اريد ان انوه الى اهمية المشاريع الثقافية التي تحمل فكرا
استراتيجيا تراكميا، وتركز على القيمة الانسانية والفكرية والابداعية لدى الافراد ،لما لهذه المشاريع من اهمية بالغة في حالتنا السورية المحتاجة لاعادة بناء الانسان في البداية قبل اعادة اعمار الحجر وسلسلة نوافذ تأتي ضمن هذا السياق ، وايضا عملك انتِ الداعم للحركة التشكيلية السورية ومبدعيها ينتمي الى هذا السياق ، في النهاية نحن جميعا جداول ماء ترفد نهر الثقافة السورية العظيم، ومعا نكون اقوى واعذب.