الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
منذ الفشل الدراماتيكي للحرب على العراق في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انسكب الكثير من الحبر على المخططات المرسومة للسياسة الخارجية الأميركية، ومع إظهار الهيمنة العالمية الكاملة على أنها نهج عالي التكلفة ومنخفض النتائج، بدأ صانعو السياسة في الولايات المتحدة مناقشات حول نوع الاستراتيجية العالمية التي ينبغي أن تحل محل حطام “الحرب على الإرهاب”، كانت إحدى الوسائل الخطابية الأكثر شيوعاً التي يستخدمها الفاعلون المؤسسون لتوجيه السرد حول الاستراتيجية الجديدة هي “الحرب الباردة” الجديدة.
ولكن سواء أكان صناع السياسة يتحدثون عن منافسة جديدة ثنائية القطب أم عن ضرورة السيطرة على جميع مناطق العالم من أجل قيام نظام عالمي ليبرالي آمن، كما تفعل وزيرة الدفاع القادمة المحتملة ميشيل فلورنوي، فمن الواضح بشكل متزايد أن عصر التوسع الأميركي يجب أن يتقاعد باعتبار أنه عفا عليه الزمن.
ومما لا شك فيه أن أي محاولات لإحياء القطبية الأحادية للولايات المتحدة، سواء أكان ذلك من خلال خطاب الحرب الباردة أم أي استراتيجية بديلة أخرى، فهذا يعني ضمنيًا أن كلاً من روسيا والصين وحلفائهما الصغار محاصرون بقوة من معسكر الأعداء الدائمين أي أميركا وحلفاؤها، وستكون بكين الهدف الأساسي على الأرجح لأي سياسة من هذا القبيل.
تكمن مشكلة هذا النهج في أن الصين في القرن الحادي والعشرين ليست مثل الاتحاد السوفيتي في القرن العشرين أو حقبة الحرب الباردة، فبينما تقدم بكين نفسها كأنموذج بديل للولايات المتحدة، فإنها لا تشارك بجدية في تصدير قيمها أو أيديولوجيتها إلى جميع أنحاء العالم، بل إنها تتبع أنموذجًا للاختلاف المستقل والقومي عن إجماع ما بعد الحرب الباردة، وهو أمر لا يحمل أي مشروع عالمي مشترك بغض النظر عن عدد الدول التي قد تقرر القيام بشيء مماثل في هذا العالم الذي تقل فيه المنافسة الأيديولوجية بين القوى العظمى، وهنا لا يمكن افتراض أن التحالفات دائمة، وكذلك العداوات، ففي السابق خالف نيكسون افتراضات الحرب الباردة بالذهاب إلى الصين لمواجهة التهديد السوفييتي المشترك والأكثر قوة، وقد يضطر بايدن أو إدارة هاريس كمالا المستقبلية “نائب الرئيس حالياً” إلى ابتلاع كبريائهم والذهاب إلى موسكو لفتح مسارات دبلوماسية كانت مغلقة سابقاً للوقوف في وجه الصين.
التنافس على النفوذ في العالم النامي هو الآن بين دول متعددة، ويقوم على التجارة والموارد والمساعدات التنموية، ولكي تظل الولايات المتحدة قادرة على المنافسة في مثل هذه البيئة متعددة الأقطاب، ومن الأفضل لها التخلي عن ادعاءات القيم العالمية والتحرك نحو المرونة والتمسك بسيادة القوى الأصغر التي تشعر بالتهديد من قبل المنافسين الأكبر.
يمكن القيام بذلك بتكلفة أقل بكثير من استراتيجيات الهيمنة الحالية بالنظر إلى المزايا الجغرافية للقوة البحرية الأميركية وبعدها عن مناطق الصراع الرئيسية المحتملة للقوى المتنافسة، فإذا احتفظت الولايات المتحدة ببساطة بديناميكيتها الاقتصادية وعملت كضامن للتجارة الدولية، فإنها تصبح أكثر من شريك محتمل يتم استمالة أعضائه، بدلاً من كونها تهديداً محتملاً للدول غير المتحالفة معها بشكل مباشر، أما إذا استمرت الاستراتيجيات الجيوسياسية التي اعتبرت “طبيعية” في واشنطن على مدى العقدين الماضيين – كما قد يحدث في إدارة بايدن – فمن شأن ذلك أن يجمد الخيارات الدبلوماسية التي كانت ستتاح للولايات المتحدة بخلاف ذلك، فضلاً عن ضمان تصعيد خطير وتوتر بين القوى الكبيرة.
وبينما تقوم إدارة بايدن القادمة بإلقاء نظرة ثانية مرحب بها على إحياء الصفقة النووية مع إيران، يجب عليها أيضاً أن تأخذ في الاعتبار أن اعتماد وتبنّي إطار من العداء الدائم مع بكين أو موسكو قد يجعل هذه الجهود الدبلوماسية أكثر صعوبة.
وإذا تمكنت طهران من اختيار اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة والاندماج في مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإنها يمكن أن تزيد من استقلاليتها، والحياد في أي تنافس بين القوى العظمى بدلاً من الانحياز تلقائيًا إلى جانب بكين، والنهج الأميركي الذي يعطي الأولوية للمرونة على نهج تقسيم العالم إلى معسكرات أيديولوجية لن يجعل واشنطن مضطرة إلى اتخاذ قرارات في سياستها الخارجية من وحي الثنائية المطلقة “معنا أو ضدنا”، بل ستكون هذه المرونة مكسباً صافياً للولايات المتحدة نظراً لطبيعة جغرافية المزايا التي تتمتع بها قياساً بمنافسيها.
من ناحية أخرى، إذا أصر صانعو السياسة الخارجية في واشنطن على مواصلة السعي من أجل الهيمنة على العالم، أو حتى مجرد إعادة إطلاق الحرب الباردة في سياق جديد، فإنهم سيخاطرون بتبديد هذه الأصول الحيوية في العالم متعدد الأقطاب الذي سيأتي، إذاً يمكن القول باختصار أن تكون الأول بين أقوياء كثر أفضل من أن تكون القوي المهيمن والمسيطرة ولكن المحتقر.
بقلم: كريستوفر موت
Responsible Statecraft