“الهجرة البيضاء” عقولٌ خارج الخدمة.. “الحرب الأخرى “

 

الثورة أون لاين – د. مازن سليم خضور:  

كنا في “الثورة أون لاين” قد تناولنا موضوع الهجرة ضمنَ سلسلة الحرب الأخرى في مقال سابق بعنوان ” الهجرة درب الرحيل الأقدم ” بتاريخ 28 من تشرين الثاني – قدمنا فيها إضاءة على هذا الموضوع وأسبابه ومسبباته ونتائجه على المجتمع السوري، لكننا اليوم نخص شريحة مهمة من المهاجرين وهي فئة “الأطباء” ولا سيما في ظل هذه الظروف الصحية من جهة والميدانية خلال فترة الحرب من جهة أخرى.
عُرفت سورية منذ زمن بأنها البلد المصدّر للعقول وخاصة الأطباء حيث قدرت احصائية غير رسمية قبل الحرب عدد الأطباء الذين أرسلتهم سورية كسفراء صحيين لها بما يقارب الخمسين ألف طبيب، وهذا يقودنا إلى أن المنتج التعليمي في الجامعات السورية هو مخصص للتصدير إن صح التعبير، ما قد يعني أن كليات الطب في سورية تعمل فعلياً ليس لخدمة الواقع الصحي في الداخل السوري حسب الدراسة!
نزيف هجرة الكفاءات الطبية إلى خارج سورية مستمر، وسط مخاوف من انعكاس ذلك على توازن المنظومة الصحية في البلاد، التي تعيش منذ سنوات حالة من الانهيار لا سيما مع الازدياد الكبير في حالات الإصابة بفايروس كورونا وارتفاع حصيلة المصابين وحالات الوفاة خاصة بين فئة الأطباء وأصبح الخبر السائد على الصفحات الزرقاء هو حالات الوفيات ونعي أفراد الجيش الأبيض في سورية.
أشرنا إلى نزيف هجرة الكفاءات والكفاءة هي “الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق حجم أو مستوى معين من النواتج بأقل التكاليف وهو من أهم مقاييس النجاح للمؤسسات في تحقيق أهدافها ” أما الكفاءة بمفهومها الطبي – تعني الحصول على المؤهل العلمي العالي، وجود الموهبة عند الشخص مع القدرة والتميز والإبداع والمقدرة على استعمال مجموعة هذه الأشياء في البحث الطبي والكشوفات الطبية، ما يؤدي إلى إثراء البحوث العلمية الطبية والمعلومات في هذا المجال وبالتالي هذا يتطلب مواكبة دائمة بالأخبار والمعلومات والمشاركة في المؤتمرات والورش التي تعنى بهذا المجال فهو في حلقة دائمة في تعلم مستمر وبالتالي هنا يأتي التساؤل في هذا المقال هل المجال مفتوح لتحقيق الطموحات التي يبحث عنها الأطباء بالنواحي الوظيفية والمعيشية في سورية لا سيما أنه ضمن تقرير نشر أن جامعة دمشق احتلت المرتبة السابعة عالمياً كأكبر جامعة مصدرة للأطباء الأجانب العاملين في أميركا وذلك حسب تقرير صدر عن اتحاد المجالس الطبية الأميركي حيث جاءت جامعة دمشق الوحيدة عربياً في هذه القائمة”.
بالأصل هناك قلة في عدد الأطباء نتيجة الحرب منذ العام 2011 ترافق هذا النقص بازدياد كبير وكبير جداً في عدد الحالات والإصابات والأمراض نتيجة الحرب حتى أن بعض الأمراض عادت ومنها مرض شلل الأطفال في سورية الذي عاد بعد غياب لسنوات طويلة كذلك مرض السل الذي عاد للانتشار ولو المحدود في أوساط الأهالي في بعض المناطق الذين يعانون سوء التغذية ونقص الخدمات نتيجة عوامل مختلفة لا سيما الإرهاب بالإضافة إلى هذا تم استهداف المنظومة الطبية والصحية في سورية منذ بداية الحرب والتي أدت إلى خروج عدد كبير من المستشفيات والمستوصفات ومراكز الخدمة الصحية عن الخدمة وتم استهداف منظومة الإسعاف. عوامل عدة أدت إلى تأثر كبير لهذه المنظومة من ناحية الخدمات المقدمة أو نوعية هذه الخدمات إضافة إلى الحصار المفروض على الشعب السوري وبالنتيجة بمجرد تخرج الأطباء، يتوق العديد منهم إلى مغادرة بلده بسبب ضعف الرواتب والأجور من جهة والأوضاع الراهنة والحرب من جهة أخرى ما أدى إلى ارتفاع متوسط عدد السكان لكل طبيب بشكل كبير في سنوات الحرب من 623 مواطناً لكل طبيب عام 2010، إلى 730 مواطناً لكلّ طبيب عام 2015 .
أدت هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل أخرى إلى زيادة الهجرة بالنسبة للأطباء السوريين وبالتالي فقدان هذه الشريحة الهامة من المجتمع السوري ومع هذا الوضع يجب اتخاذ مجموعة من القرارات الفورية للحد من نزيف هذه الفئة لا سيما في ظل الحاجة الماسة لها.
علماً أنه في الفترة الماضية تم اتخاذ بعض القرارات في هذا الصدد ومنها موافقة القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة لخدمة الأطباء المكلفين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية أو المتخلفين عن الالتحاق لخدمتهم ضمن المحافظة أو المنطقة التي يرغبون بها، وفي هذا الشأن سمحت نقابة الأطباء للأطباء بفتح عياداتهم الخاصة أثناء تأديتهم للخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف قواتها وقالت النقابة إن العمل في العيادات يكون بعد انتهاء دوام الأطباء اليومي، وذلك ضمن “تسهيلات تهدف للحد من هجرة الأطباء المتزايدة، علماً أن إدارة الخدمات الطبية العسكرية أصدرت كتاباً موجهاً إلى النقابة، يتضمن “تسهيلاً” لظروف الخدمة الإلزامية في صفوف الجيش والقوات المسلحة للأطباء البشريين بما يتوافق مع مؤهلاتهم وظروفهم الاجتماعية والعائلية.
وبالتالي أصبح بإمكان الطبيب “اختيار مكان خدمته في المنطقة المقيم فيها أو أقرب نقطة قريبة عليها في المشافي العسكرية”.
وعممت نقابة الأطباء، القرار على فروع النقابة بالمحافظات لإعلام الأطباء المكلفين بالخدمة الإلزامية أو الاحتياطية وتأتي هذه الإجراءات للحد من هجرة الأطباء التي ازدادت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بحسب نقيب الأطباء.
ووفقاً لأرقام رسمية سابقة، فقد هاجر قرابة 40% من الأطباء من سورية خلال السنوات الماضية، 80% منهم من الأطباء الجدد، كذلك الأمر المطلوب اتخاذ قرارات تفضيلية منها النظر في منحهم قروضاً طبية لناحية شراء الأجهزة والمستلزمات الطبية وغيرها من الخطوات التي تساهم في الحفاظ على هذه الفئة في مواجهة قرارات تتخذ في الجانب المستقبل لهذه الشريحة ومنها التشريعات التي تتخذ لاستقبال واحتواء هذه الشريحة.
ووفق خبراء، تركت هجرة الكفاءات والأطباء منهم على وجه الخصوص آثاراً سلبية على الوضع الصحي الذي يعاني بالأساس من جملة أزمات كبيرة، في ظل حالة طوارئ تكاد لا تتوقف وتؤكد دراسة للأمم المتحدة أن أكثر من ثلث المهاجرين هم من الخبرات العلمية العالية. وتعتبر سورية أول دولة من بين الدول العربية في نسبة هجرة الأدمغة وصل أعداد طلاب الطب البشري السوريين في الجامعات الألمانية إلى أكثر من 13 ألف طالب وطالبة وأشارت دراسة صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) في وقت سابق إلى أن الحرب السورية أرغمت آلاف الخبرات العلمية والأكاديمية والفنية على الخروج من سورية إلى بلدان مختلفة، منوهة أن ثلث أطباء سورية هاجروا منذ بداية الحرب السورية وأكدت الدراسة أن القطاع الصحي خسر نسبة كبيرة من كوادره التي كانت أحد أسباب نقص الخدمات الطبية في أثناء الحرب، منوهة بأن التقديرات الصادرة عن النقابات المعنية تشير إلى هجرة نحو ثلث الأطباء، وخمس الصيادلة (أي 33 بالمئة و20 بالمئة على التوالي).. وهذا الرقم يستحق حقاً التوقف عنده مطولاً.

 

 

آخر الأخبار
المراكز الثقافية تفتقد أمزجة المثقفين..  تحولات الذائقة الثقافية أم هزالة الطرح..؟! عصام تيزيني لـ"الثورة": الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية تحسن واقع الصناعيين والمواطنين المناخ في سوريا .. تحديّات كبيرة على التنمية والأمن الغذائي  فايننشال تايمز: سوريا الجديدة في معركة تفكيك امبراطورية المخدرات التي خلّفها الأسد يفتح آفاقاً واسعة لفرص العمل.. استثمار "كارلتون دمشق".. يعكس أهمية التعاون العربي   الموفدون السوريون يطالبون بالعفو والعودة عبر "الثورة".. والوزارة ترد   ذكرى الكيماوي في الغوطتين.. جرح مفتوح وذاكرة عصيّة على النسيان قلب شجاع من تل أبيض ينال التكريم.. أبو عبدالله يثبت أن الإنسانية أقوى من المستحيل   مدير منطقة حارم يزور كلية الشرطة ويقدر جهودها في تخريج دفعة مكافحة المخدرات   بين الدخان واللهيب..  السوريون يكتبون ملحمة التضامن 6000 هكتار مساحة حرائق ريف حماة     طفولة بلا تعليم.. واقع الأطفال النازحين في سوريا   حلب تبحث عن موقعها في خارطة الصناعات الدوائية  الرئيس الشرع يصدر المرسوم 143 الخاص بالمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب مدير المخابز لـ"الثورة": نظام إشراف جديد ينهي عقوداً من الفساد والهدر زيادة غير مسبوقة لرواتب القضاة ومعاونيهم في سوريا  الشيباني يبحث مع نظيره اليوناني في أثينا العلاقات الثنائية وقضايا مشتركة عاملة إغاثة تروي جهودها الإنسانية في سوريا ريف دمشق تستعيد مدارسها.. وتتهيأ للعودة إلى الحياة حماية التنوع الحيوي وتحسين سبل العيش للمجتمعات المحلية في البادية تحسين واقع الثروة الحيوانية في القنيطرة