الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد
قبل أقل من شهر اغتيل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده خارج طهران ، الاتهامات ذهبت مباشرة “لإسرائيل” ، مسؤول إسرائيلي كبير متورط في تعقب فخري زاده قال لصحيفة نيويورك تايمز : “على العالم أن يشكر إسرائيل التي ستواصل العمل ضد البرنامج النووي الإيراني حسب الضرورة” .
وقال مسؤول أمريكي – مع اثنين من مسؤولي المخابرات – لنفس الصحيفة ” إن إسرائيل كانت وراء الهجوم” ، ونسب الخبير الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي يوسي ميلمان عملية الاغتيال لجهاز الموساد ، ولكن بالنظر إلى حملة الضغط الأمريكية القصوى على إيران والتعاون الوثيق بين بومبيو ونتنياهو ، بما في ذلك اجتماعهما السري في السعودية قبل خمسة أيام فقط من الاغتيال 27 تشرين الثاني ، فإن التعاون الأمريكي/ الإسرائيلي موجود بالفعل ، أو على الأقل المعرفة المسبقة والموافقة عليها ، ففخري زاده لم يكن أول عالم نووي إيراني يغتاله الموساد .
كان لدى الموساد قائمة من 15 هدفاً ، وبين عامي 2007 و 2012 ، تم استهداف سبعة على الأقل ، وتم اغتيال ستة منهم ، وتم تتبع من بقي قبل الموساد ، وعندما وُلد برنامج الموساد لاغتيال العلماء النوويين الإيرانيين في أيار 2003 ، بدأ حينها رئيس الجهاز مئير داغان ونائبه تامير باردو تنفيذ خطة سرية للغاية لتخريب برنامج إيران النووي ، وتضمنت الخطة الضغط الدبلوماسي ، والعقوبات ، ودعم جماعات المعارضة الإيرانية التي سعت لتغيير النظام، وتعطيل إمدادات المعدات النووية ، وتخريب المنشآت النووية ، واغتيال العلماء النوويين ، ولتنفيذ هذه الخطة تم التوقيع على اتفاق تعاون كامل – بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والمصادر والأساليب – بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش .
في الواقع تعود الشراكة بينهما وتبادل المعلومات الاستخباراتية إلى ما قبل ذلك بعدة عقود ، وفقاً لرونين بيرغمان ، مؤلف كتاب “الصعود والقتل” 2018 الذي يتحدث عن التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية ، حيث رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون سافر في عام 1951 برفقة مؤسس الموساد روفين شيلوح إلى الولايات المتحدة ، والتقى بن غوريون مع ألين دالاس لإقامة علاقات بينهما ، فيما التقى شيلوح بجيمس أنجلتون من وكالة المخابرات المركزية الأميركية للعمل على التفاصيل ، وفقاً لخبير وكالة المخابرات المركزية جيفرسون مورلي في كتابه ، “الشبح : الحياة السرية ل ـ CIA Spymaster جيمس جيسوس أنجلتون” ، وأسست الاتفاقية “الأساس لتبادل المعلومات السرية بين الطرفين وألزمتهما بتقديم تقرير لبعضهما البعض عن الموضوعات ذات الاهتمام المشترك ” ، ووفقًا لمورلي ، التقى أنجلتون بعد ذلك مع عاموس مانور ، نظيره في الشاباك الإسرائيلي وأصبح مانور رئيساً لعملية “بلسم” ، وكانت قناة الاستخبارات الإسرائيلية لعملية بلسم الأمريكية بمثابة بداية لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين حول “الموضوعات ذات الاهتمام المشترك” .
يقول بيرغمان ، الخبير ببرنامج الاغتيالات الإسرائيلي ، إن عملية بلسم زودت وكالة المخابرات المركزية بالكثير من المعلومات الاستخبارية ، وأنها “ممارسة مستمرة حتى يومنا هذا” ، ومع ذلك ، وفقاً لبيرغمان ، لم يمتد اتفاق التعاون لعام 2003 ليشمل الاغتيالات لأن “إسرائيل” كانت تعلم أن الاغتيالات محظورة بموجب القانون الأمريكي ، وأن واشنطن لن تتعاون في مثل هذه الاغتيالات المستهدفة .
مايكل هايدن ، مدير وكالة المخابرات المركزية ، قال لبيرغمان “إن إسرائيل لم تخبر الولايات المتحدة قط بخطط اغتيالاتها” ونفى بشكل قاطع صلة بلاده بمثل هذه العمليات ، لكن في عام 2012 ، كشف مسؤولان كبيران في إدارة أوباما لشبكة NBC الإخبارية أن اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين نفذت من قبل مجاهدي خلق ، وهي جماعة إيرانية معارضة ، وأضافا أن المنظمة تم تمويلها وتسليحها وتدريبها من قبل الموساد ، وخلافاً لإصرار هايدن على أن أمريكا لا تعرف ، قالا “إن إدارة أوباما على علم بحملة الاغتيال” .
وقد دعم الصحفي الاستقصائي سيمور هيرش هذا الرأي وأفاد في عام 2012 أن واشنطن ساهمت أيضاً بتدريب منظمة مجاهدي خلق ، ويقول إن قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC) بدأت تدريب المنظمة في عام 2005 – وهي تهمة تنفيها قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC) بشدة ، وعلى الرغم من أن هيرش لم يكن قادراً على ربط قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC) بمن نفذوا الاغتيالات ، فقد أخبره مسؤول استخباراتي كبير سابق أن الاغتيالات “استفادت من المخابرات الأمريكية” ، وأكد له أن الاغتيالات “تتم بشكل أساسي من قبل منظمة مجاهدي خلق عبر التعاون مع الإسرائيليين ، ويقتصر دور الولايات المتحدة الآن على تقديم المعلومات الاستخباراتية” .
لطالما أنكرت المنظمة الإيرانية أي صلة لها بالاغتيالات ، بما في ذلك اغتيال فكري زاده ، لكن قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر من تقرير هيرش ، قُتل مصطفى أحمدي روشان ، العالم النووي الذي أشرف على قسم في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم ، بانفجار في 11 كانون الثاني 2012 ، وقد نفت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون أي تورط لبلادها في الاغتيال ، لكن هناك أدلة على معرفة أمريكية بالعملية ، وربما تعاون ، باغتيالات “إسرائيل” لعلماء إيران ، فهناك أيضاً سابقة تاريخية لمعرفة الولايات المتحدة بالاغتيالات الإسرائيلية وغض الطرف عنها على الأقل ، فلم يكن العلماء النوويون الإيرانيون هم الوحيدون الذين اغتالتهم “إسرائيل” ، فقد استهدف بالاغتيال الفلسطينيون أيضاً .
تم إبرام صفقة سرية بين أرييل شارون ومستشارة الأمن القومي الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس ، ألزمت “إسرائيل “بتقليص بناء مستوطنات جديدة بشكل كبير مقابل الدعم الأمريكي للحرب على الفلسطينيين وسياسة الاغتيالات . ” لكن علاقة أمريكا بالاغتيالات الإسرائيلية تمتد إلى ما هو أبعد من المعرفة وغض الطرف .
ففي بداية عام 2008 ، أعطى الرئيس بوش الضوء الأخضر لطلب رئيس الموساد مائير دغان مساعدة واشنطن في اغتيال عماد مغنية في 12شباط 2008 ، وفقاً لتقارير صحيفتي واشنطن بوست ومجلة نيوزويك ، وعلى الرغم من أن الواشنطن بوست قالت إن الموساد كان يدير العملية ، فقد نقلت نيوزويك عن مسؤول أمريكي سابق لم تذكر اسمه شارك في العملية قوله : ” لقد أخبرنا الإسرائيليين بمكانه وقدمنا لهم المساعدة اللوجستية وصممنا القنبلة التي قتلته وأشرفنا على العملية “.
و يتضح من كلا التقريرين أن التدخل الأمريكي يتجاوز المعرفة ويصل إلى المشاركة ، ويصبح الأمر أكثر وضوحاً عبر تأكيد الواشنطن بوست أن القنبلة التي قتلت مغنية” فجرت من قبل عملاء أمريكيين مع الموساد ” ، ولكن وفقاً لمجلة نيوزويك ، فإن الولايات المتحدة هي التي ارتكبت عملية الاغتيال ، وأن “عميل الموساد اقتصر دوره على المراقبة وتحديد المكان ، وأن رجل وكالة المخابرات المركزية ضغط على جهاز التحكم عن بعد” .
إن أي اعتراض متبق على فكرة مشاركة الولايات المتحدة باغتيال العلماء الإيرانيين أصبح سخيفاً بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني خارج مطار بغداد أوائل العام الجاري بغارة أميركية عبر طائرة بدون طيار ، وقد أثبت ذلك أن واشنطن لم تتعاون مع “إسرائيل” فحسب بل هي من تقوم بالاغتيال ، ووفقاً ل ـ “ضابط إسرائيلي ، فإن اغتيال سليماني لم يكن مفاجأة للإسرائيليين لأن “إسرائيل” كان لديها علم مسبق بالخطة الأمريكية .
وكان وزير الخارجية مايك بومبيو قد أبلغ نتنياهو ، لكن “إسرائيل” فعلت أكثر مما علمت به ، وبحسب تقارير إخبارية متعددة ، شاركت “إسرائيل” بالاغتيال ، فالمخابرات الإسرائيلية قدمت معلومات دقيقة لواشنطن عن طريق مخبريها حول الطائرة التي كان سليماني على متنها قبل الاغتيال ، وذلك وفقاً لشبكة إن بي سي نيوز ورويترز في ذلك الوقت .
وفي تقرير حول اغتيال فخري زاده أعد في 7 كانون الأول الجاري ، كتب مراسل صحيفة “هآرتس” يوسي ميلمان “من المرجح أن نتنياهو تشاور مع ترامب .. يجب أن يكون ترامب ومساعدوه العسكريون والأمنيون مطلعين على القرار السري ، لأن الولايات المتحدة كان عليها أن تعد نفسها لجميع الاحتمالات ، بما في ذلك السيناريو الأسوأ ” أن تقرر إيران الانتقام بضرب أهداف أمريكية ، مثل قواعدها في البحرين أو قطر” ومن أجل هذا نفت إدارة ترامب اتهامات إيران بأنها متواطئة في جريمة القتل .
Responsible Statecraft
بقلم : تيد سنايدر