افتتاحية الثورة _ بقلم رئيس التحرير _علي نصر الله
في نهاية عام، مع انتهاء مرحلة، ومع بدء دورة جديدة تشريعية رئاسية.. تضع الجهات ذات العلاقة المُخططات، المَشاريع، الناتج، ما أُنجز وما لم يُنجز، مَوضع التقييم احتكاماً لمَقاييس هي بمنزلة مسطرة تُبيِّن بالأرقام والخطوط البيانية مَقادير النجاح من الإخفاق، وتَكشف الأسباب التي ساعدت، وتلك التي عَطلت، ليُصار بالمحصلة لمُحاكاة الأهداف ذاتها بطريقة أُخرى، أو لصرف النظر عنها وتَعديلها بالخطط المُستقبلية.
الشركات والمؤسسات تقوم بذلك، الحكومات والأحزاب والهيئات لا تتأخر، وعلى المُستوى الفردي هناك من يَتوقف بالمُحاكمة والتقييم عند مَحطات العام وتفاصيله، ليُحسن من أدائه، وليَتغلب على المُعوقات لاحقاً، ذلك بتغيير الوسائل، أو بتبديل الأدوات، أو باتباع طرائق أُخرى ومَسالك جديدة.. فهل تَفعل الولايات المتحدة في كل حين ومفصل إلا الاجترار بمُخططات الهيمنة وعناوين الشطب والتطاول التي لن تُنتج لها سوى المزيد من الصدمات والخيبات؟ وللعالم إلا المزيد من الكوارث والدمار؟
في حصيلة سنة 2020 وهي تَطوي ساعاتها المُتبقية، تَبرز حصيلة لا يُمكن فصلها عن سابقاتها من السنوات الماضية، ذلك بالتزامن مع ما يجري تَدوينه بعملية إحصائية تُحصي حماقات إدارة دونالد ترامب المُنتهية التي أنتجت حجم خراب مُرعب، يُصيب اليوم النظام الأميركي والرأسمالي المُتوحش ذاته، إذ لأول مرّة ربما يدور الحديث في أميركا عن أهمية التداول السلمي للسلطة وسط تشكيك غير مَسبوق بنتائج الانتخابات الرئاسية!.
أربع سنوات مَضت استكمل فيها ترامب الخراب الذي بدأه جورج بوش الصغير، مروراً بأوباما، حيث تم إغراق العالم بالأكاذيب التي كانت واشنطن تُطالعه كل يوم على جديد فبركاتها واعتداءاتها وازدرائها للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، لتَنقله إلى مَطارح أخرى تُهدد أمنه واستقراره، وتَستهدف مُجتمعاته بأدوات الغزو والعَولمة لتُفككها وتَضرب بالصميم منظوماتها القيمية والأخلاقية.
خلال ولاية ترامب، وخلال 2020 شهد العالم جولات مُواجهة فَرضتها سياسات البلطجة، لم يَنجح المجتمع الدولي أثناءها، أو بين جولة وأُخرى، بالتَّهيئة لجولة تُنتج حالة تضع حداً لأميركا، ذلك أنّ التهديدات لم تَستثنِ حتى الناتو ودوله الشريك الحقيقي لواشنطن بكل الآثام، لتتضاعف التحديات أمام جميع المُكونات الدولية، ليس فقط لجهة كبح جنون واشنطن وعربدتها، إنما أيضاً لوضع أُسس يقوم عليها النظام الدولي الجديد الذي ينبغي أن يَحترم الآخر في مصالحه وقيمه وسيادته، قبل أن يتم الإعلان عن إتمام مراسم دفن نظام القطبية الأحادية.
التبعية، المُرونة، والهروب من المواجهة، ربما كانت الأساليب المُعبرة عن سياسات العديد من الأطراف الدولية، غير أن أميركا لم تَحترم تابعاً، ولا هارباً، ولا مَن أظهرَ المرونة والديبلوماسية، فما التدبير المَطلوب بهذه الحالة؟ هل يُكتفى بتوجيه الرسائل لها؟ أم بات من الواجب مُخاطبتها بلغة أُخرى تفهمها لطالما رفضت حتى أن تأخذ علماً بأنّ الاستغراق بالاستهداف والتجاوزات لن يُسمح باستمراره؟ ولطالما اختلفت قواعد لعبة شد الحبال، فباتت قاسيةً لحدود تَقطُّع الحبال، وصارت مُتعددة كنتيجة طبيعية تفرزها الوقائع والتطورات، وتتضاعف معها حجم الخسائر التي بات من غير الواضح مَن سيَتقاسمها، وما النسبة المئوية التي ستتحملها الأطراف الأخرى، ذلك في خضم صراعات تَفتحها واشنطن على كل الاتجاهات!.
مُشكلة أميركا في طموحات بَلطجتها، في إنكارها، في انفصالها عن الواقع، وفي مُسلسل أكاذيب ما تَطرح من شعارات ومشاريع. فيما تتلخص مُشكلة الغرب التابع لها بعدم نُضجه ليَستوعب على الرغم من كل الصفعات التي يَتلقاها، في أمنه الجماعي المُهدد، في اقتصاده، في عملته المُوحدة، وباتحاده الذي قد يكون بانتظاره بريكست فرنسي وغير فرنسي بعد البريطاني!.
هنا حيث نَرسم مسارات نهوض بمُواجهة الغزو والعولمة والليبرالية الجديدة، فضلاً عن مواجهة العدوان الصهيو أطلسي التكفيري، لن نُعدد لمَنظومة الشر خسائرها، بل نَترك لها أن تُحصي ما كانت تتوهم كثرة الأوراق التي تُمسك بها، لتَسأل ربما قبل الولوج إلى 2021 عن التالف والمُحترق منها، وأن تُحصي ما بقي بقبضتها لتُسقطَ ذلك على عدد الحلفاء والأذرع، وعلى مُفردات خطابها الكاذب، بل لتَتَلمس موقع أقدامها أين كانت وأين أمست؟ ولتَكتشف أخيراً ما الحصيلة؟ وما شكلُ مُرتسماتها كخطوط بيانية.
نحن نَبني على ما تمّ إنجازه، وليس مُهماً أن نَقرأ إلا في كتاب بطولات جيشنا وصمود شعبنا وثبات قيادتنا على المبدأ الذي يَتمسك به آخرون معنا من الحلفاء والأصدقاء، فالعبرة في النهايات والخواتيم.