الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
يقول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن: ” نحن أقوى وأكثر فاعلية في أي قضية تخص العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، عندما نكون محاطين بالدول التي تشاركنا رؤيتنا لمستقبل العالم”، في الواقع، سيتم تحديد نتيجة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى حد كبير من خلال مدى براعة واشنطن في تجنيد الدول ذات التفكير المماثل لتحويل المنافسة الثنائية إلى منافسة متعددة الأطراف ضد الصين وحدها.
العديد من مسؤولي إدارة ترامب ألقوا باللوم على ما يسمى بالحلفاء والشركاء الذين يتمتعون بحرية كاملة في سياساتهم بسبب تنصلهم من التزاماتهم تجاه أمريكا، وعلى العكس من ذلك، ألقى معظم الخبراء الخارجيين باللوم على نهج إدارة ترامب
– أمريكا أولاً- الذي أدى إلى عزل العديد من هؤلاء الحلفاء والشركاء، وهو فشل يُفترض أن إدارة بايدن القادمة ستكون قادرة على تصحيحه بسهولة.
تعود جذور الانفصال بين استراتيجية الولايات المتحدة والواقع العالمي إلى مفهومين أساسيين، أولاً: تستند العديد من المفاهيم الأمريكية للمنافسة مع الصين إلى فرضية خاطئة مفادها أن هذه المنافسة ستكون ثنائية القطبية، في حين أن بعض القادة الأوروبيين الذين تعول عليهم أمريكا محبطون ويرسمون مسارهم الخاص، فهم يدعون إلى المساواة بين واشنطن وبكين، ولا تشعر هذه الدول بالحاجة إلى التحالف كلياً مع الولايات المتحدة، ولا مع الصين، بل يطمحون للكسب من خلال المنافسة بين واشنطن وبكين، ونتيجة لذلك ستكون المنافسة متعددة الأقطاب، وليست ثنائية القطب.
ثانيًا: غالباً ما تعكس الآمال في “تحالف جديد” كما دعا وزير الخارجية مايك بومبيو، اعتقادًا خاطئًا بأن تحالفًا واحدًا سيظهر لمواجهة الصين، قد يكون هذا هو الحال إذا كانت نفس المجموعة من الدول تعتبر الصين منافساً عسكرياً، ومنافساً اقتصادياً، ومنافسًا تكنولوجيًا، ومنافسًا أيديولوجياً، ولكن في بيئة تتسم بالتحالفات السائلة، ستتغير تركيبة التحالف المناهض للصين اعتمادًا على نوع المنافسة، وستتعاون الدول الرئيسية مع أمريكا في بعض القضايا دون غيرها، والدول المتخوفة من القوة العسكرية الصينية ليست دائماً نفس الدول التي تخشى نفوذها الاقتصادي.
وبالتالي فإن النجاح في منافسة متعددة الأوجه لن يتطلب ائتلافاً واحدًا بل العديد من الائتلافات، على وجه الخصوص، يجب على الولايات المتحدة تشكيل تحالف جيو استراتيجي من الدول التي تعارض الهيمنة عودة الصين في المحيطين الهندي والهادئ، وهو تحالف اقتصادي لتعويض النفوذ القسري الذي يوفره الثقل التجاري للصين، وتحالف تكنولوجي لضمان أن الحزب الشيوعي الصيني لا يستولي على القيادة، لقد ولت الأيام التي كان باستطاعة أمريكا فيها حشد الغرب إلى جانبها، ما لم تتبن الولايات المتحدة نهجًا أكثر تطورًا لبناء التحالفات فإنها سوف تتعثر في محاولة إعادة إنشاء عالم لم يعد موجودًا.
فقد وقع حلفاء أمريكا مثل إيطاليا على مبادرة الحزام والطريق الصينية، وستكافح الولايات المتحدة لإنشاء عدة تحالفات تعادل تحالف الكتلة الغربية في القرن الحادي والعشرين، بدلاً من بناء تحالف واحد من الديمقراطيات، ويعتبر التحالف الأول جيو استراتيجي ويجب أن يركز على منع الصين من استخدام القوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إن رغبة بكين في استبدال الولايات المتحدة كقوة رائدة في المنطقة هي موضوع مركزي في فن الحكم الصيني، إنه يدعم التعزيز العسكري طويل الأمد.
إذا نجحت الصين، يمكنها استخدام أسبقيتها في المحيطين الهندي والهادئ كنقطة انطلاق نحو أهداف عالمية أكثر اتساعًا، إذاً من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن الحفاظ على توازن مناسب للقوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لا يكفي للفوز في المنافسة مع الصين، ولكنه ضروري، ولا يمكن لواشنطن معالجة هذا الجانب أو أي جانب آخر من التنافس بمفردها، يجب أن يضم التحالف الجغرافي الاستراتيجي تلك البلدان التي تميل إلى تحقيق التوازن مع بكين، حيث هي أكثر أهمية على طول أطرافها الإقليمية والبحرية، وتبدأ هذه القائمة باليابان، واستراليا، وكوريا، وفيتنام، والهند، وسنغافورة، وتايوان .
إذا استمرت الصين في المبالغة باستخدام قوتها العسكرية، فقد تشجع ماليزيا وإندونيسيا على الانضمام إلى هذا التحالف في محاولة لحماية حقوقهم البحرية في بحر الصين الجنوبي، وستخلق هذه الدول – بدعم من الولايات المتحدة – حواجز أمام استخدام الصين للقوة العسكرية على حدود مهمة، ومن خلال العمل معاً يمكن لهذه الدول أن تضمن أن نمو القدرات العسكرية الصينية يقابله تطوير تحالف موازٍ لها.
لكن هذا التحالف الجغرافي الاستراتيجي لن يكون نسخة آسيوية من الناتو، فالبلدان المعنية مختلفة للغاية – من حيث الجغرافيا والقدرات ونوع الحكم – لإنشاء نوع من التحالف الرسمي المؤسسي العميق الذي تتمتع به واشنطن مع أوروبا، وهذا يحد من قابلية التعاون
العسكري بين دول التحالف والذي ربما يجعله هيكلا شبيهاً بحلف الناتو، ومن جهة أخرى تعتبر ميزة للعديد من أعضاء التحالف الذين سيكرهون الانحياز بشكل رسمي أكثر ضد الصين، ولذلك فإن ربط هذه البلدان معًا يتطلب سياسة وقواعد أكثر مرونة، وأحيانًا أكثر دقة، أما بالنسبة للتحالف الاقتصادي فيعود جزء كبير من التحدي الجيواستراتيجي لصالح الصين بفضل نفوذها الاقتصادي الهائل، لذلك سوف تتطلب الولايات المتحدة أيضًا نهجًا جديدًا للمنافسة الاقتصادية.
كان الاقتصاد السوفييتي في ذروته بحجم ثلث الاقتصاد الأمريكي، وقد تجاوزت الصين منذ فترة طويلة هذا المؤشر، وينظر معظم الأوروبيين الآن إلى الصين باعتبارها القوة الاقتصادية الرائدة في العالم، وتعد بكين شريكا تجاريا أساسيا لكل دولة تقريبًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
بكين حولت هذا النفوذ الاقتصادي إلى ميزة دبلوماسية في محيطها الإقليمي، وستحتاج العديد من الدول إلى الانفصال الانتقائي عن الصين في بعض القطاعات الحيوية لتجنب التبعات الخطيرة، وستحتاج دول المحيطين الهندي والهادئ التي تعتمد بشكل كبير على التجارة الصينية إلى حماية نفسها من خلال تنويع علاقاتها الاقتصادية.
أخيراً، يجب على الولايات المتحدة وأصدقائها تحفيز نمو اقتصادي أقوى للتنافس مع الصين، لئلا يتحول ميزان القوة الاقتصادية كثيرًا لصالح بكين، من ناحية أخرى يجب أن تتركز جهود بناء تحالف تكنولوجي على الاقتصادات المتقدمة، دول مجموعة السبعة – الولايات المتحدة وكندا واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا – كلها مؤهلة، وكذلك تفعل الديمقراطيات التقنية مثل السويد وفنلندا وهولندا وكوريا الجنوبية وتايوان، وقد تضم المجموعة الهند أيضًا، وهي لا تتمتع بقوة تكنولوجية ولكنها تقدم سوقًا ضخمة، وقد أصبحت مؤخراً أكثر قلقًا بشأن الاعتماد التكنولوجي على الصين.
يجب على الولايات المتحدة حشد تحالف مع الدول الليبرالية، ستكون القيمة الاستراتيجية لهذا النوع من التحالف من خلال تسليط الضوء على القيم السياسية المشتركة، يمكن أن يساعد في جلب شركاء جدد، وليس لدى العديد من الدول الأوروبية أي مصلحة أو قدرة على تحقيق التوازن مع الصين في بحر الصين الجنوبي بالنهاية، من شأن تشكيل مثل هذا التحالف أن يؤكد للعالم أن هذا ليس مجرد صراع على السلطة بين الصين والولايات المتحدة، بل هو صراع حول مستقبل النظام الدولي.
يمكن لأمريكا ما بعد ترامب إعادة التركيز على حشد حلفائها، اقترح الرئيس المنتخب بايدن عقد قمة في سنته الأولى في منصبه، وعلى الرغم من صعوبات التنسيق بين مجموعة دول متنوعة جغرافيًا وجيوسياسيًا، ويبدو أن إدارة بايدن تفهم كل هذا كما أشار -إلي راتنر- أحد مستشاري بايدن البارزين في آسيا، “هناك منافسة تكنولوجية، ومنافسة عسكرية، ومنافسة اقتصادية، ومنافسة أيديولوجية، ومنافسة دبلوماسية.” وضع بايدن أهمية كبرى لابتكار استراتيجية للمنافسة متعددة الأطراف بشكل عام وليست أحادية الجانب بشكل صارخ، لاسيما عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل التكنولوجيا والتعاون بين الدول ذات التفكير المماثل، ومع ذلك هناك قدر أكبر من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقوم بالاستثمارات العسكرية اللازمة بشكل عاجل لدعم التحالف الجغرافي الاستراتيجي في غرب المحيط الهادئ والاستثمارات السياسية اللازمة لإقامة علاقات تجارية واستثمارية أعمق مع أعضاء التحالف الاقتصادي المحتمل.
ستفشل واشنطن إذا اتبعت نهجًا واحدًا يناسب الجميع لبناء التحالف، الحقيقة القاسية هي أن البلدان في جميع أنحاء العالم قد لا تقف إلى جانب أمريكا في جميع القضايا، سوف تتحد البلدان المختلفة في قضايا مختلفة في أوقات مختلفة، لن يتم العمل المتضافر المتعدد الأطراف إلا من خلال بناء سلسلة من الائتلافات المتداخلة ومطالبة البلدان بالعمل على القضايا التي تهمها أكثر من غيرها.
بقلم: هال براندز
المصدر: foreign policey