ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يتمكن منبر الأمم المتحدة من الاتساع لكل ما يجول في خاطر البشرية من هواجس، وظل يواجه عجزاً واضحاً في استيعاب تطلعات وهموم البشرية المتضاربة، التي كانت على الدوام عرضة لعواصف من المتغيرات أوصلت المشهد الدولي إلى زوبعة من الفصول المتناقضة على أكثر من صعيد.
بل لم يكن بمقدوره أن يواصل اصغاءه لهذه الهرطقة التي أصر الرئيس الأميركي على التمسك بها والتي حاول أن يملي من خلالها منطق النفاق الغربي على شعارات المنظمة ودورها، وهو الذي اعتاد على مصادرة وجودها الفعلي على مدى العقود الماضية، ويريد أن يصادر موقعها السياسي والإعلامي، وحتى المعنوي، في سياق التجني الذي مارسه، حين لم تتردد أميركا وبعض أتباعها في الخروج عن ميثاقها والعمل من خارجها والتهديد بالعدوان.
ورغم ذلك لا تزال اجتماعات الأمم المتحدة السنوية تحظى بالقسط الأكبر من الاهتمام العالمي، وإن أخذت اللقاءات الجانبية التي تشهدها أروقتها بخطف الأضواء في بعض الأحيان، ما يضفي على اجتماعات المنظمة الدولية المزيد من الاهتمام العالمي، وتحوّلت بالتدريج إلى موسم للتجاذب الدولي القائم على ترويج مقولات ومفاهيم الصراعات التي تغيب أو تحضر على المنبر الرسمي.
ما شهده هذا العام لم يكن مختلفاً في الكثير من طقوسه، حيث تتسابق الدول كبيرها وصغيرها إلى تسجيل حضور على المنبر تتساوى فيه مع بعضها بعضاً رغم تفاوت الاهتمام الإعلامي حسب المعيار الدولي، لكن الأمر يبدو مختلفاً في الأروقة بحيث يصعب على الدول الصغيرة أن تفرض أجندتها، أو أن تكرر ما فعلته في القاعات الرسمية، بحكم أن تلك اللقاءات اعتادت أن تكون منصة خلفية لتصفية ما راكمته السنوات وربما العقود الماضية.
لكن مع ذلك ثمة من يسجل عدة ملاحظات جوهرية في منحى التعاطي الدولي مع الدورة الحالية، باعتبارها تنحو باتجاه إشاعة مناخ تفقد فيه الهيمنة الأميركية حضورها السادي على العالم، وبدت كلمة الرئيس الأميركي تسترجع عصا القوة الأميركية المتوارية خلف "انجازات" استخداماتها المتآكلة والتي تحاول أن تخفف من تداعياتها على الوضع العالمي، وهي التي ما فتئت تحدث شرخاً يضاف إلى ما تواجهه البشرية من مشاكسات التذبذب في الموقف الأميركي، وتفاوت الإيقاع الذي تستخدمه في التعاطي مع القضايا العالمية الشائكة، وخصوصاً في مناطق الغليان التي تشهد المزيد من الامتداد.
فالحديث الأميركي عن العمل على تفكيك المنظمات الإرهابية بدا في سياق التجني على الذاكرة البشرية، وعلى المجتمع الدولي وضميره الجمعي، بعد أن ساهمت الولايات المتحدة الأميركية – مباشرة أو بالوكالة – في تفشيها وانتشارها غير المسبوق في بقاع العالم، وكانت المسؤولة مباشرة حين غضت الطرف عن تمويل الإرهاب من قبل وكلائها وبمشاركتها الموثقة وبالقرائن.
ربما لم يكن مفاجئاً هذا الدجل الأميركي القائم على المنبر، رغم ليونة بعض المفردات التي استخدمها أوباما والتي أراد أن يسوّق من خلالها منطق النفاق الغربي بكل معطياته، ليكون على مقاس رغبات أميركا بعد أن عجزت عن الاحتفاظ بالمنظمة الدولية كرهينة لرغباتها وإملاءاتها، وبعد أن شعرت بأن استلابها السياسي لم يعد محكوماً بما تريده أميركا وحلفاؤها، وأن القوى العالمية شبت عن الطوق وكسرت غلالها وبعضها أعلن خروجه الكامل على الهيمنة الأميركية.
a.ka667@yahoo.com