افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
الاستعداداتُ الجارية لإقامة حفل تَنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، ربما تكون بالشكل تقليديةً، دَرجت عليها واشنطن عند كل استحقاق انتخابي رئاسي، لكنها بالعُمق تبدو كأنها لا تُشبه سابقاتها، بل تكاد تُسجل حالة غير مَسبوقة لجهة الاحتراز الأمني، ولناحية أعداد القوات التي يتم نشرها في واشنطن.
الأسئلة الكُبرى التي تُطرح في هذه الأثناء حول المُوجبات التي جعلت الاستعدادات مُغايرة مُختلفة، لا تتصل فقط بعملية اقتحام الكونغرس، ولا تَندرج تحت تداعياتها التي يُحصيها كثيرون في الداخل الأميركي وخارجه، بل صارت تُلامس أعماق التجربة الديمقراطية الأميركية كحالة كاذبة لا كمثال يُحتذى، رَوَّجت له آلة الكذب الأميركية طويلاً، وقد تَعرضت دول ومُجتمعات للغزو والنهب تحت عناوينه تعميماً له كمثال وتجربة بالقوّة.
الأسئلة الكُبرى المَطروحة التي تبحث عن إجابات تبدو غير جاهزة، ربما تَكشف لاحقاً عن جوانب أخرى في السياسة الأميركية، وبتركيبة النظام الأميركي وممارساته بمُسمياتها المُختلفة وصولاً إلى الحروب القذرة التي ستُتيح استثنائياً تَتَبع الفرضيات والسياسات الشريرة أكثر من أي وقت مضى، ذلك أنه إذا كان بالاستدلال يمكن وضع اليد على الفضائح الأميركية المُتعددة، فإنه مع تَوافر القرائن سيتم العثور على أسرار تلك الحروب وتفاصيلها الوحشية.
أحدُ الأسئلة التي تُثار وتُثير معها أسئلة أُخرى يُدقق بها كثيرون ممن هم جزء من واضعي السياسة الأميركية، وآخرون ممن هم ضحاياها كلاعبين كومبارس، إضافة للضحايا الحقيقيين الذين كانت بلدانهم ومجتمعاتهم ساحة معركة ومجالاً حيوياً للعبة البطش والنهب والإرهاب، يَنطوي في الواقع على أُحجية أنّ أميركا تُقاد من قبل مؤسسات أم من قبل أفراد؟ أم إنها حالة فريدة تَدمج بين هذا وذاك، على حين الدولة العميقة تَحكم، تُصوب مرّة وتَردع أُخرى، بينما المسار واحد لا حياد عنه؟
..وعليه، فما اقتحام الكونغرس؟ وأين يقع؟ وهل يُصنف عملاً فردياً حرّضَ عليه دونالد ترامب، الأمر الذي يُوجب محاكمته؟ أم هو تَلاعب بمزاج الناس أدّى لمُجرد مُحاولة انقلابية انتهت ولن تُؤدي لمَفاعيل وأضرار تَكشف بدورها جوانب مُخزية في النظام الأميركي، وما كانت لتَنكشف لو لم يَحصل التمرد الترامبي؟
إنّ من شأن تتبع الفرضيات المُتصلة باقتحام الكونغرس كنتيجة للاعتراف من عدمه بنتائج الانتخابات الأميركية، أن يُعرّي النظام الأميركي. وإنّ من شأن تتبع الفرضيات التي تَطرح الأسئلة حول من يقف خلف المُحاولة الانقلابية، مُؤسسات أم أفراد؟ أن يَفضح جملةً وتفصيلاً الادعاءات الأميركية، بل من شأنه أن يجعلها بلا مصداقية، مُجردة من أيّ مَوثوقية، وهو ما سيَفتح الأُفق بالأدلة على الكثير من الفعل الذي على العالم يقع واجب القيام به بلا تردد.
عملياً وليس افتراضياً، هل كان من الجائز للعالم أن يَنشغل بمفاوضات طويلة قاسية مع إيران حول برنامجها النووي وصولاً للاتفاق الناجز، ثم ليقف عاجزاً عن أيّ فعل رداً على انقلاب ترامب على الاتفاق والخروج منه؟ واستطراداً يَسأل الكثيرون: هل الانقلاب الأميركي على الاتفاق النووي الإيراني هو عمل فردي يَخصُّ ترامب وحده؟ أم تقف خلفه مؤسسات الدولة العميقة، وما من فرق إذا كان ذلك حصل بموافقة الحكومة الأميركية أو من دونها؟!
هناك العديد مما يُمكن سوقه بهذا الاتجاه، فالأدلة أكثر من أن تُعد لتُؤكد بمجموعها أن أميركا نظام بلطجة تَقوده لوبيات لا مُؤسسات، غايته تحقيق مصالح أنانية تَطغى فيها لغة الحروب والعقوبات لا تَبادل المصلحة وفق ضوابط تَحكم العلاقات الدولية، ولهذا فإنّ محطة اقتحام الكونغرس ستبقى العنوان الأبرز لا للطعن بأميركا كنظام مارق افتُضحت الجوانب المَخفية بسياساته القذرة، وإنما للقيام بخطوة تَعريته كأعظم ديكتاتورية مارست التضليل والنهب، وأغرقت العالم بالحروب والكوارث، ذلك بالتوازي مع القيام بخطوة مُحاسبته ومثوله تحت قوس عدالةٍ لا يجوز أن يَبقى مُعطلاً.