الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
إذا كان هذا العصر هو عصر الذرة والصواريخ والأقمار الصناعية وغزو الفضاء، فإنه عصر علم النفس أيضاً، فدراسة علم النفس باتت من الموضوعات المهمة لكلِّ إنسانٍ مهما اختلفت طبيعة عمله، وتنوعت، إذ امتدت هذه الأهمية إلى كلِّ من يهمه أمر توجيه الفرد وتدريبه، وإعداده تربوياً، ونفسياً، واجتماعياً، وفي شتى الميادين.
انطلاقاً من هذه الأهمية التي ألقيت على عاتق علم النفس، والدور الذي اضطلع به دارسه في إفادة نفسه وإفادة سواه، عن طريق معرفة الدوافع والميول، والعواطف والذكاء والقدرات معرفةً تتميز بالموضوعية، والبعد عن الأخطاء الذاتية، فقد صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب دراسة حملت عنوان “السلوك الإنساني والصحة النفسية”، تأليف: د. “معمر نواف الهوارنة”.
يقع هذا الكتاب في أحد عشر فصلاً، سعى المؤلف من خلالها إلى إلقاء الضوء على الاضطرابات النفسية والعقلية للتعرّف عليها، ومعرفة أسبابها وأعراضها، وطرائق تشخيصها وعلاجها، وذلك بهدف تقديم المساعدة إلى الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات كي يستمتعوا بصحتهم النفسية، ويكونوا أشخاصاً منتجين، وتأتي أهميته من ذكر معظم الأزمات النفسية التي يتعرض لها الإنسان، وآليات الدفاع، وعلاقة الإحباط والصراع النفسي بالصحة النفسية، إضافة إلى الآثار المترتبة على فقدان الشعور بالأمن النفسي، وحاجة المجتمع إليه، ليغدو هذا الكتاب، في النهاية، مرجعاً يعود إليه الباحثون، والمتخصصون، والآباء، والمعلمون، وسواهم من المهتمين بهذا الموضوع، نظراً لشمولية ما ضمّه من عناوين فرعية خدمت مكونات العنوان الرئيس، ألا وهو “السلوك الإنساني والصحة النفسية”.
الأزمات النفسية وآليات الدفاع
يتناول الفصل الرابع من هذا الكتاب، الحديث عن الأزمات والحيل النفسية التي يلجأ إليها الكائن الحي عندما يُعاق عن الوصول إلى هدفه، ويحبط إشباع دافعه، ويبين أن الحيل الدفاعية اللاشعورية تعدّ من التصرفات التي قد يلجأ إليها بعض الأفراد لتساعدهم على التخلص من موقف، أو الخروج من مأزق، أو تجنباً لآلام، وهذه الحيل قد تكون مفيدة لصاحبها إذا لم تتجاوز حدودها المنطقية، أو تخرج على السائد المألوف، أو تجعل صاحبها يجافي الواقع، ولا يتعامل مع الحقائق بدقة وموضوعية.
كما يستعرض هذا الفصل، الحيل الأخرى التي يلجأ إليها بعض الأفراد في مثل هذه المواقف، ومنها الحيل الانسحابية التي تجعل من يتمثلها غير قادر على مواجهة الأزمة التي يمر بها، وقد تؤدي به إلى احتقار ذاته، والوصول إلى مشاعر دونية، وهي تظهر في “الانطواء، وأحلام اليقظة، والنكوص، والإنكار، والتسويغ”.
أيضاً، الحيل الإبدالية، التي تعتمد على إزاحة شعور، أو انفعال، أو محاولة إبداله بعكسه، وهذه الحيل إن تمَّت بطريقة شعورية فإنها تدفع صاحبها إلى خفض التوتر، أما حينما يعتمد عليها الفرد دون توظيف الإرادة الواعية، فتظهر مجموعة من الكوامن اللاشعورية التي تضر صاحبها، وتتمثّل في: “الإزاحة، والتقمص، والتعويض، والتكوين العكسي”.
الاضطرابات الذُهانية
يتحدث الفصل التاسع من هذا الكتاب، عن الاضطرابات الذُهانية التي تجعل صاحبها يعاني اختلالاً شاملاً، واضطراباً في شخصيته ينعكس على مستوى تفكيره، وقواه العقلية. ويعرّف هذا الفصل الذُهان بأنه قصور جسيم يعوق القدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة الأساسية، ويبين أن العلماء قسّموا هذه الاضطرابات إلى نوعين، هما: اضطرابات ذُهانية وظيفية، واضطرابات ذُهانية عضوية، كما يستعرض أشهر الاضطرابات الذُهانية عامة، ومنها: ذُهان الاكتئاب الذي يعدّ عادة من الذُهان الوظيفي، ويتسم بمشاعر انكسار النفس، وفقدان الأمل، والشعور بالكسل والاسترخاء والبلادة.
وذُهان الهوس يُعدّ كذلك من الاضطرابات الذُهانية الوظيفية، ويتصف الأشخاص الذين يعانون منه بدرجة عالية من الحيوية والاندفاع، إلى جانب أفكارهم المبالغ فيها عن ذواتهم، وتدخلهم في شؤون الآخرين دون مسوغ، إضافة إلى اضطرابات ذُهانية أخرى قدّمها هذا الفصل، مثل: “الانتحار، والفصام، والبارانويا، وذُهان الشيخوخة”.
التاريخ: الثلاثاء19-1-2021
رقم العدد :1029