الملحق الثقافي:سموقان أسعد :
نحن اليوم أمام مشاهدٍ، هي لوحاتٌ بشعة فيما تتضمنه من حروبٍ وعزلةٍ ومعاناة واحتضار وقتلٍ وتدمير وفوضى وفساد.. بالمقابل، هناك من يعمل ليلاً ونهاراً على سطح لوحته، وكأنه غير معنيّ بتلك المشاهد!. أو ربّما لوحته، هي من يجعله يخرج من عالمِ البشاعة، إلى عالمٍ يتأمل فيه البحر والطبيعة والجمال والسماء.
هو ينقذ نفسه بما يرسمه، بغضِّ النظر عن المضمون أو الهدف من رسمه. هو وغيره من الفنانين، يقدمون القليل من الجمال، مقابل البشاعة الزائدة المحيطة بهم.. لكن، هل ما يرسمه الفنان أو مجموعة الفنانين في بلدٍ ما، كافٍ لمواجهة كوارث وحروب وحرائق اليوم؟!..
الفنان يرسم وحيداً في مرسمه، تخرج لوحته إلى بعض الصالات أو المتاحف، ويراها قلة من الناس. منهم من يعجب بها، ومنهم من يمرُّ مرور الكرام أمامها.
لاشكَّ أن هذا الفعل، فعل الرسم والعرض، يرتقي بالذوق العام للمشاهد، لكنه لا يوقف حروباً قذرة، ولا يردُّ فساداً أو مرضاً قاتلاً، ولا يُشبعُ جائعاً..
فعل العيش:
كم من مرَّة اكتشف الشاعر أو الفنان، بأن سباحته في البحر وتأمّله، أفضل من تغنّيه فيه أو رسمه.. “بيكاسو”، لم يرسم التفاحة قبل أن يأكلها!.
وإذ راقبنا الفن المعاصر، نجده لا يخرج عن الأعمال التي نسميها تقليدية “اللوحة وإطارها والمنحوتة وفراغها”.
في زيارتي لمتحف الفن الحديث في مدينة “سان ايتين” Saint Étienne رأيتُ كومة من القطن، أخشاب بناء قديمة، برميل من زفت الطريق! كانت هي بعضُ الأعمال المعروضة!. بالتأكيد تلك الأعمال تشكل صدمة للمشاهد الذي اعتاد على رؤية العمل الفني في إطاره الكلاسيكي القديم في تلك الفترة، فترة السبعينات من القرن الماضي، حيث أدرك بعض الفنانين، أن الحياة ليست جميلة إلى الحدِّ الذي يجعلهم ينتجون أعمالاً فنية ويتمسّون بها، وبأن اللوحة مهما كانت جميلة ورائعة، لا يمكن أن تقيهم أذى الجوِّ والخراب المحيط.
خروج اللوحة والمنحوتة من الإطار التقليدي :
لعلها الملتقيات الفنية والمعارض التي أقيمت الشوارع والحدائق العامة، وهي وإن كانت قليلة، إلا أنها نوع من وعيٍ جديد، يُستلهم من فكرةٍ جديدة للعيش!.. بمعنى، أن العمل الفني عندما يكون في أدواتنا التي نستعملها، والأمكنة التي نرتادها، والشوارع التي نمشي بها، يمكن أن يخفف من البشاعة العامة!.
جمال الحياة :
لعلها الفنون المعاصرة، في وعيها لأهمية المعنى على حساب الشكل. هي الأقدار في مواجهة البشاعة، في طرح الأفكار الجديدة وغير المتوقعة، والتي يمكن أن تحدث خلخلة في ذهن المشاهد، حيثُ أدوات الفنان لم تعد ريشة وألواناً وإزاميل. إنها الأدوات التي يراها ويلمسها، فهي من البيئة، من الحياة حيثُ يكون الفن فعل حياة.
في التشكيل السوري، نرى مزيجاً من ذكرى صور بشعة، تمتزج بذاكرة التشكيلي عندما يبدأ لوحته. تحاصره وتخرج بين الحين والآخر على شكل غضب ومأساة وربما تحدٍ، وقد لاحظنا هذا في الملتقيات والمعارض الجماعية المكثفة، وفي غزارة الإنتاج الفردية للفنان، وقلَّما نجد لدى التشكيلي السوري، التعبير المباشر، بل المأساوية في الوجوه المفعمة بالحزن والأسى.. هو التعبير عن واقعٍ معاش، وهو يُظهر هول الحالة، لكن داخلها يحوي قوة خفية لمحبة الحياة!.. هو ما يؤكده البعض، في تكويناتهم البشرية المعمارية، وضمن سمفونية لونية تؤدي إلى حلمٍ وإن كان جميلاً إلا أنه يحمل مأساته.
وفي النحت، حيثُ تتفاعل قوة حركة الجسد مع حرية الروح ومحبة الحياة، يزداد العمل جمالاً وتمسُّكاً بالضوء، ولدى البعض، تتطاول المادة اللينة المطواعة بين أيديهم، فتقود إلى أفقٍ من فرح وحب وانتصار!.
التشكيلي السوري، يقود اللطخات اللونية المشبعة بالقهر والظلم والخواء، إلى الرحيل المطلق نحو حياة أفضل، والنحات السوري، يقدم كتلاً تعشق الفراغ الذي يُحيطها، فيتكون مشهداً بصرياً من الحلم والثقة والتوازن..
أما الفرح المطلق والجمال، فنجده في أعلى حالاته، والأمثلة كثيرة في الفن السوري، ولن نذكر الأسماء لكثرته.
مشروع خاص :
المهم في أعمال التشكيلي السوري، أنه يعمل عموماً، على مشروع يخص تجربته، يتفرَّد بها ويتابع بثقةٍ تطورها، حيث المعنى يقود الشكل لمكانٍ مختلف وزمان آخر.
كذلك بعض مواضيع البورتريه، هي تجارب لا تخرج عن إطارها التشكيلي الجميل، لكنها محاولات لمواجهة الواقع المأساوي الذي يعيشه، من حرب ومجاعة وقهر.. تتكرر الوجوه في حزنها وقهرها، وتنتظر ابتساماتٍ مخفية قد تظهر.!
هناك تجارب أخرى، حيث نلحظ الأسطورة حاضرة في أغلب الأعمال، فتتصعد إلى مستوى قوي الدلالة، وقابل للتحوير بسياقٍ تشكيلي مدهش، فنرى رشاقة الرسم وقدرة اللون، ضمن تكوينٍ متين غنيّ بالدلالات التي يتلقاها أغلب المشاهدين! كلّ حسب ثقافته البصرية.
التاريخ: الثلاثاء2-2-2021
رقم العدد :1031