الملحق الثقافي:رشا سلوم :
عشر سنوات من الحرب على سورية، ببساطة شديدة أكثر من ثلاثة آلاف يوم من الدمع والحزن. في كل يوم يرتقي نجم إلى العلياء، وكل ليلة حكاية عن نهار من الألم، وعن أملٍ بالخلاص مما نحن فيه. كلُّ ساعة شهيد يرتقي، قد يكون أخاك أو أباك أو جارك، ومن كل الجغرافيا السورية.
من نبضِ كل شهيد، ولكلٍّ منهم ومنَّا حكايته. «حسام خضور» الكاتب والمترجم السوري، يلتقط من صفحات الارتقاء عشرات القصص التي توثق هذه البطولات بالدمع والحبر. يفعل ذلك، في مجموعته القصصية الصادرة حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والتي تقع في ١١٨ صفحة من القطع المتوسط، وعنوانها: «ليس في الجنة قبور».
فاتحة المجموعة، هذه القصة المؤثرة التي تدور حول تجنيد العصابات الإرهابية لصبية صغيرة، استغلوا حبها البريء وأقنعوها أن حبيبها ينتظرها في الجنة.
تمضي الوقائع وصولاً إلى تزنيرها بحزامٍ ناسف، لتفجِّر مدرسة ما ساعة الذروة. تذهل الصبية حين تعرف أنها مدرسة أمّها، وتُصدم حين يكون المبرِّر أنه لا يهمّ من يسقط قتيلاً، المهم أن يتمّ الترويع كما تقول السيدة التي تتابع أمورها.. الترويع ليخاف الآخر ويتم التحكم به.
الصبية الفتية تدرك متأخرة الكثير من الحقائق، وحين التنفيذ تغيِّر المكان، وتتَّجه إلى مقبرةٍ مقابل المدرسة لئلا يصاب الأحياء.
في قصته «انتقام»، يروي كيف يعمل الفكر المتعصب على الانتقام ممن أناروا الدرب أمام الأجيال، وينسج من وحي ذلك حكاية تدمير تمثال «أبي العلاء المعري»: «يجب أن تقطع رأسه التي كان يجب أن تقطع وهو على قيد الحياة، لكن الله يمهل ولا يهمل، ولحكمةٍ نجهلها بُعثنا لنقتصّ من هذا الزنديق العتيق. لا تنسى يا عبد القهار، أن تقطع رأس التمثال وتحرق كتبه. إنها محفوظة في المتحف».
يحدث ما أراده زعيم التكفير، فيفجِّر عبد القهار رأس التمثال ..
أما في قصة «حفرتان»، فتبدو مفارقات وويلات الحروب. حفرتان تلخصان المشهد. حفرة قبر لشهيدٍ دافع عن قريته ووطنه، وبالوقت نفسه، حفارات كبيرة تعمل من أجل بناء مجمع تجاري لصاحبه حمدان، وحمدان يعرفه الجميع، وقد كان مفلساً فقيراً: «في اليوم نفسه وفي البلدة نفسها، بدأ الحفر في حفرتين، إحداهما حفظت جثمان رياض مكفَّناً بالعلم العربي السوري، نزولاً عند رغبة رفاقه، وأخرى أسَّست لمجمع تجاري. يقول صاحبه حمدان، بأنه سيكون الأكبر في البلدة».
وفي قصة «إسماعيل»، يظهر الفداء الأكبر. تظهر معادن الرجال، من يرون كل سوري هو ابن لهم. كلُّ جرح من وفي أجسادهم…»إسماعيل» يذهب لتسلُّم جثمان ابنه الشهيد، وحين يناديه المسؤول ليسلّمه التابوت، يسأله: هل عرفت تابوت ابنك؟. يرد: «نعم هذا». يسأله: «كيف عرفته»؟، فيرد: «كلُّهم أبنائي، وأي تابوت هو تابوت ابني. لا فرق بينهم».
المجموعة من واقع نضال السوريين ضد العدوان، وهي ترفل بلغة البذل والقدرة على التقاط روايات الصمود والتضحية. من عناوينها: «كاميرا وبندقية» و»سائق» و»لقد قطعوا أشجار الزيتون» و»مريم» و»الجندي» و»قرار صعب» و»غيوم».
التاريخ: الثلاثاء9-2-2021
رقم العدد :1032