الثورة أون لاين:
ليس كل ما يلمع نجماً .. حتى وإن كان نجماً فهل بريقه ولمعانه حقيقي ودائم .. وهل من ذاته يشع .. أسئلة كثيرة يجب أن تطرح في عصر الضخ والصخب الإعلامي الذي لم يعد متابعاً للحدث بل صار الصانع له والمحرك .
ومن الطبيعي أن يكون مهووساً بصناعة أدواته على الأرض في الرياضة والفن والأدب ..
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يعمل من يتقنون هذا اللون على صناعة نجوم مزيفة في بلد قدم للعالم نجوماً ستبقى مشعة في الأدب والثقافة وكل شيء ..
أسئلة ليست حائرة أبداً ، والإجابات أيضا ليست في مهب الريح ..
الناقد العراقي جودت هوشيار المتابع لكل المشهد الإبداعي الروسي وحتى العربي يفكك ما وراء الاكمة ويجيب بالقراءة والتحليل والمتابعة على هذه الأسئلة .. من خلال متابعة نموذج حقيقي يقول الأستاذ الدكتور جودت هوشيار :
في كل مرة ابدأ فيها الكتابة عن الكاتب ( الروسي ) ديمتري بيكوف ، اتخلى عن فكرتي ، لأنني أجد من الصعوبة الإحاطة بكل أنشطة هذا النجم الصاعد ، المصنوع في مطابخ دور النشر والإشهار الروسية ، التي حولته إلى ماركة تجارية شهيرة لأنواع متعددة من السلع الادبية والفنية ، فهو صاحب أكثر من سبع صنايع ( روائي ، وشاعر ، وناقد أدبي وسينمائي ، ومحلل سياسي ، ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية ، ومدرس أدب في الثانويات والجامعات ، وناشط سياسي ، وكاتب عمود صحفي في أكثر من (15) مجلة أسبوعية وجريدة يومية ، ومعد فيديوهات وأشرطة مسجلة ل ( ابداعاته ) يبيعها بأثمان غالية ، كما يجري لقاءات أدبية مع الجمهور ، الذي يدفع ثمناً غالياً للدخول الى القاعة .
– إنتاج غزير ..
عن إنتاج هذا النجم المصنع يقول هوشيار :
ولا يمر بضعة شهور ، إلا وينشر كتاباً ضخماً ( رواية أو سيرة أحد كبار الأدباء الروس الكلاسيكيين ) .
ما ينشره بيكوف خلال يوم واحد ، يحتاج إلى أكثر من أسبوع لقراءته أو الاستماع إليه
ويقال أن ثمة فريقاً كاملاً من الزنوج – وهو التعبير الروسي عن ” الكتّاب الأشباح ” الذين يكتبون للآخرين لقاء المال – يقف وراء بيكوف .
بيكوف ناقد أدبي لا يعتد برأيه ، واستطيع الاستشهاد بالعديد من آرائه الغريبة العجيبة ، التي يقصد بها الإثارة الرخيصة على قاعدة ( خالف تعرف ) واكتفي بالتعليق على بعض آرائه فقط ، كان تشيخوف يقدر عالياً موهبة ابفان بونين ، وعندما قرأ تشيخوف مقالاً كتبه أحد النقاد ، في ذلك الوقت عن التشابه بين قصص عملاقي القصة القصيرة تشيخوف وبونين ، قال تشيخوف لبونين :
” ما أغبى هذا الناقد ! ليس ثمة أي تشابه بيني وبينك ، إننا كاتبان مختلفان تماماً ” .
ويأتي بيكوف بعد أكثر من مائة وعشرين سنة ، ليقول في محاضرة له عن بونين ، أن ثمة تشابهاً بين تشيخوف وبونين . و أن بطلة القصة الفلانية لتشيخوف أصبحت راهبة ، وهذا ما حدث أيضا في احدى قصص بونين . ثمة آلاف القصص في الأدب العالمي عندما تقرر امرأة ما أن تصبح راهبة .
يقول بيكوف عن إبداع الشاعرة الجليلة آنّا أخماتوفا ، إنها تجسد المرأة الفاسقة المقدسة ، وهذا الوصف يعود الى جدانوف – جلاد الكتّاب والمثقفين في الحقبة الستالينية – وقد ورد ذلك في هجومه على أخماتوفا عام 1946 ، أي إن بيكوف اقتبس هذا الوصف من جدانوف تحديداً .
ويقول إن دوستويفسكي لم يكن فناناً .
إذا لم يكن العبقري الفذ دوستويفسكي فناناً ، بيكوفما انتحل لقباً روسيا ، فلقبه الحقيقي هو ( زيلبيرترود ) . وهو عندما يخطب في الجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية ، يقول كلاماً يختلف عما يقوله للقوميين الروس ، وهو في الوقت نفسه متقلب الأهواء سياسياً ، ويقدم نفسه كأنه معارض لسياسة الرئيس بوتين ، وفي الوقت نفسه يعمل في قنوات التلفزة الروسية الحكومية .
وقبل بضعة أشهر أثارت دور النشر والإشهار الروسية ضجة كبرى حول الذبحة الصدرية المزعومة التي أصيب بها بيكوف ، وأرسلت الجهات التي تدعمه طائرة هيليكوبتر لنقله من منزله الى المستشفى ، وتبين لاحقاً أنه أصيب بالتخمة أو التسمم الغذائي البسيط ، في حين يموت عباقرة الأدب الروسي الحديث – الذين لا يعرف القارىء العربي معظمهم – في صمت من دون أن تمتد إليهم يد المعونة وهم عاجزون عن توفير ثمن العلاج الطبي الباهظ التكاليف لأنفسهم .
ما يقدمه الدكتور جودت هوشيار من مثال على أرض الواقع يدل على مدى خطورة أن يكون هؤلاء المزيفون هم النجوم التي يجب الاقتداء بها .. بياعو مواقف في كل مكان .. الوطن لا يعني أحداً منهم .. بل من يدفع أكثر .. إنه الاختراق الأكثر خطورة في أي مجتمع .. وهم موجودون أيضا في كل المجتمعات .. ويحب العمل على تعرية من يصنعهم