ثورةأون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
كان بمقدور داوود أوغلو أن يبقى صامتاً، وأن يواصل دفن رأسه في الرمال، وكان باستطاعته أيضاً أن يؤجل لبعض الوقت الكثير من تنظيراته، لأن الأتراك الذين أخذوا بتلك التنظيرات لا يزالون يواجهون عثرات عسر هضم أصاب حكومة أردوغان بالتخمة.
لا نعتقد أن أحداً بوارد المحاججة مع دبلوماسية امتهنت الكذب والدجل، واحترفت الفبركة والاجتزاء ومارست أقصى درجات العهر السياسي في العصر الحديث, واعتادت تسويق الأضاليل لذر الرماد في العيون، لكن قد يكون من المهم التدقيق في الدوافع التي قادت داوود أوغلو إلى هذا الدفاع عن نفسه وعن حكومته المتورطة في الإرهاب ودعمه بكل أفرعه وأذرعه وتنظيماته وفي مقدمتها القاعدة.
فإذا كانت محاولة استباقية واحتياطية لما هو قادم، فقد فتح على تركيا أبواباً كانت مؤجلة لبعض الوقت، وإذا كان يحاول عبرها أن يستعيد جزءاً من الحضور الإعلامي الغائب عبر الحديث عن القاعدة ومحاربتها فقد أخطأ في الطريقة، أما إذا كان يريد أن يركب الموجة المتصاعدة هذه الأيام حول محاربة الإرهاب ويلاقي الأميركي في منتصف الطريق ليحجز له مكاناً في المقاعد الخلفية، فقد ضل في الهدف والأسلوب.
قد لا تكون المرة الأولى التي تكرر فيها الدبلوماسية التركية في عهد حكومة العدالة والتنمية ادعاءاتها البهلوانية، ولا هي وليدة ظرف طارئ فرض أجندات خاصة على أردوغان وزمرته، في وقت تتكشف فيه آخر الأقنعة التي حرص داوود أوغلو على التخفي وراءها طوال الوقت، وحين أراد أن يخرج بوجه غير وجهه كان محاولة عبثية لا طائل منها.
فالإرهاب الذي رعته حكومة أردوغان على مدى السنوات الماضية، ومدته بكل عوامل الاستمرار وأمنت له ظروف الانتشار، وجهدت من أجل الضخ في شرايينه وأوردته، وعملت ما بوسعها كي تتسع دوائر حضوره السياسي والإعلامي والمادي، عبر تأمين ممرات لمرتزقته القادمين من أصقاع الأرض، هذا الإرهاب لا يحتاج إلى قرينة، وما فعلته حكومة أردوغان لا يحتاج إلى دليل، ولدى السلطات التركية وقاعات فنادقها ما يكفي من الوثائق الدامغة على هوية ذلك الإرهاب وانتماءاته المختلفة، سواء أكان للقاعدة أم لتفرعاتها وأذرعها القديمة منها والمستجدة.
ويستطيع داوود أوغلو أن يراجع في جردة حساب بسيطة كم عدد هؤلاء الإرهابيين ممن عبر بوابات ومطارات تركيا التي تحولت إلى وجهتهم من أصقاع الأرض، وأن يحصي بوقفة سريعة عدد الاجتماعات التي رعتها استخباراته بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وأن يرى بنظرة سريعة معسكرات التدريب التي أنشأتها أو أزقة المخيمات التي كانت تجول فيها الاستخبارات الغربية وتصول جنباً إلى جنب مع إرهابيي القاعدة وأخواتها وبنات خالاتها.
وجوانب الإحصاء تمتد عميقاً في جذر الحالة، وتتحرك عبر مواقف وتصريحات واجتماعات كان عرابها داوود أوغلو ذاته بالوكالة أو بالأصالة عن نفسه، وعن حكومته.
يستطيع داوود أوغلو أن يواصل كذبه وهو يقف على خط النهاية، لكن ليس بمقدوره أن يحجب شمس الحقيقة ولا أن يواصل دجله، ولا أن يدعي غير ما هو فيه أو خارج ما يمكن أن يقود إلى التفاصيل الكثيرة التي باتت اليوم متداولة في أكثر من موقع وعلى أكثر من صعيد بدعم تركيا للإرهاب بكل أشكاله وصنوفه وأنواعه قديمه وحديثه.. بقاعدته وما هو خلفها وأمامها، وهذا ليس تهمة بقدر ما هو واقع حال لن يكون خارج حسابات الاستدارة التي يصعب على داوود أوغلو مهما أتقنها أن تكون على مقاس الأميركي.
a.ka667@yahoo.com