ثورة أون لاين:
تبدو مشكلة الولايات المتحدة الامريكية أنها أسيرة فكرتين لم تستطع مغادرتهما حتى الان فهي من جهة تحاول ان تتكيف مع الوضع الدولي الجديد المتشكل ما بعد الازمة في سورية ومن جهة أخرى تعيش حلم إبقاء الوضع الدولي على ما كان عليه ما قبلها متجاهلة حقيقة ان عالما جديدا بدأ يتشكل منذ فترة ليست بالقصيرة عجلت الازمة في سورية في انضاجه وتعديل موازينه باتجاه القوى الصاعدة التي تشكل سورية بموقعها وموقفها واصطفافها ركنا اساسيا فيه .
لقد حاولت الولايات المتحدة الامريكية إحكام سيطرتها على العالم وقيادته وتوجيه بوصلة أحداثه بما يخدم طموحاتها ونزعة الهيمنة التي تشكلت في رؤوس بعض قياداتها وراسمي استراتيجياتها من صناع القرار في المجمع العسكري والمالي والصناعي الحاكم الفعلي لها دونما ادراك لحقيقة ان شعوب العالم ترفض فكرة الهيمنة لان في ذلك امتهان لحقوقها السيادية وحقها في ان تكون شريكا في عالم يقوم مبدأ العدالة الدولية وتكامل المصالح والمنافع .
ان التحاق بعض دول العالم بالسياسة الامريكية مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتحديدا بعد الحرب الكورية ١٩٥٠ – ١٩٥٣ لم يكن يعني بالمعنى الاستراتيجي الخضوع الكامل للإرادة الامريكية وإنما كان عند البعض قبول بالأمر الواقع الذي فرضته ظروف الحرب العالمية الثانية ولاسيما بعد خروج أكبر قوتين استعماريتين من حلبة التأثير الفعلي في السياسة العالمية وهما بريطانيا وفرنسا ما جعل أمريكا تتبع سياسة سد الفراغ الذي تركته الامبراطوريتين العجوزتين وهو ما أطلق عليه مبدأ أيزنهاور وقد تعزز ذلك بشكل اكبر بعد مشروع مارشال لإعادة إعمار اوروبا التي دمرتها الحرب إضافة الى المظلة النووية الامريكية التي تشكلت فوق أوروبا الغربية بدعوى حمايتها من السلاح النووي السوفييتي وهي التي تحولت لاحقاً الى مظلة سياسية تحت عنوان الاطلسي ما شكل ردود فعل قوية عند بعض القادة الوطنيين الاوربيين جعلهم يتمردون على سياسة الهيمنة الامريكية ما دفع الرئيس الفرنسي عام ثمانية وستين الجنرال شارل ديغول الى سحب فرنسا من الجناح العسكري لحلف الاطلسي .
والحال ان رفض سياسة الهيمنة والالتحاق الالي بالسياسة الامريكية ليست مسألة جديدة وانما تعود لفترة ليست بالقصيرة اضافة للنظرة المتعجرفة التي يتخذها بعض الساسة الامريكيين من مواقف بعض الدول الاوربية الرافضة لسياسة الاتباع الآلي للتوجهات الامريكية وهنا من المفيد الاشارة لما جرى على لسان رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي عندما وصف اوروبا بالقارة العجوز بسبب رفض بعض القادة الاوربيين مشاركة بلدانهم في غزو العراق عام ٢٠٠٣ وهو ما كان احد اهم اسباب وعوامل تراجع الامبراطورية الامريكية على الصعيد الاستراتيجي وسقوطها الاخلاقي .
إن اكبر مؤشر على اعتراف امريكا بحقيقة أنها لم تعد القطب الوحيد في العالم هو بعض ما تضمنه خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما في افتتاح الدورة الثامنة والستين للأمم المتحدة الذي جاء في بعض فقراته يعكس هذه الحقيقة على الرغم من أن بعضه الآخر لا زال منتميا لخطاب ما قبل الازمة في سورية بنبرته المهيمنة ولكن الواضح أن إرهاصات أولى لتفكير عقلاني أمريكي براغماتي وواقعي يعترف بحقيقة أن عالما جديدا يقوم على فكرة الشراكة واحترام إرادة الشعوب ومصالحها وخصوصياتها قد بدأ يفرض نفسه على مجمل المشهد الدولي وان عالما أحادي القطب أصبح حديث ذكريات ؟
د. خلف المفتاح