ثورة أون لاين: بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
يبدو أن كرة الإرهاب التي تقاذفتها أصابع الاستخبارات الغربية وبعض الإقليمية وتبنّتها السياسات الغربية الرسمية، بدأت موسم التدحرج مبكراً، وهي لن تكتفي بما يعلق بها، حيث تكبر في كل حلقة من حلقات تدحرجها، بل أيضاً تشمل ما يتكشف خلفها،وهي تميط اللثام عما تبقى من خفايا لم يكن هناك متسع لرؤيتها وسط حالة الاستلاب التي استحوذت على كثير من الأدوار الوظيفية لدول وقوى انكشفت خيوط ترابطها بعد أن سقطت ورقة التوت الأخيرة.
فحين أبدت الولايات المتحدة الأميركية مقارباتها الجديدة حيال القضايا الشائكة في المنطقة، تراكضت الأدوات التي رهنت مصيرها ودورها على تقاطع وجودها الوظيفي مع المصالح الأميركية، ووضعت جميع أوراقها في سلة تلك المصالح، فبدأت رحلة الاصطدام فيما بينها لتفتح جبهات مواجهة جديدة لم تكن واردة في المعادلات القائمة، كما لم تكن مطروحة في تقاطعات المصالح المتبدلة والطارئة.
من صراع النفوذ بين الدول الداعمة للإرهاب إلى جبهات الحرب المشتعلة بين أجنحتها المتداخلة في شبكات الإرهاب العالمي، كان أول الخيط، فيما نهايته تتقاذفها عوامل أبعد كثيراً من مجرد التعلق بالموقف الأميركي وحسابات التحول في مقارباته لاعتبارات تتعلق بأساس وجوهر العلاقة الناشئة بين تلك الأطراف – دولاً وقوى – وبين الإرهاب وصولاً إلى الأدوار الوظيفية المتآكلة بحكم المصالح المتبدلة.
إذ لا يخفى على أحد أن هذه العلاقة التي تورّمت في الأشهر الأخيرة إلى حد تحولها إلى ظاهرة مرضيّة أعادت إلى ذاكرة المجتمع الدولي الكثير من فصولها السوداء المنتظرة، والتي قد تعيد تجارب مريرة، على البشرية أن تتحضر لجولة جديدة معها، بعد أن تقاعس عن مساءلة الدول الداعمة للإرهاب، وغض الطرف لأشهر طويلة عن القرائن الدامغة على ارتكابات تلك الدول.
اللافت في هذا السياق ما يجري تداوله من مخاوف وهواجس الدول الضالعة في دعم الإرهاب، حين أخذت كرة الثلج المتدحرجة تلك، مساراً لا يكتفي فقط بما أملته السياسة الأميركية من تعرجات بل يضيف إليها ما أخطأت في محاكاته عبر التجارب الفردية التي جُيّرت بكاملها لمصلحة الاستحواذ الأميركي المطلق على مفاعيلها، ولم تأخذ بالحسبان ارتدادات ذلك على مصالحها الذاتية التي توهمت لعقود خلت أنها في نهاية المطاف هي جزء من المصالح الأميركية، وتتطابق مع بعضها بعضاً حتى في جزئياتها بما فيها من توافق مع المصلحة الإسرائيلية التي تجد خلاصها في حلف يجمعها مع الدول المتورطة في دعم الإرهاب لوقف الانهيارات في بنية التحالفات القائمة بصيغتها التقليدية.
المواجهة القادمة يبدو أنها لن تتوقف عند حدود الصراع المحتدم على النفوذ، ولا في مساحة الجبهات التي تتسع بين أجنحتها، بقدر ما ستشمل المخاوف الوافدة إلى ساحات تلك الدول والقوى باعتبارها الساحة المستقبلية للتصفية النهائية القادمة، وربما عنواناً لا تخطئُه التنظيمات الإرهابية في توجهاتها حين تبدأ بحزم حقائبها، سواء أكان لقناعة بأن أيامها باتت معدودة في الساحة السورية، أم أرادت أن تفتح جبهات إضافية تخفف عنها عبء الضغط الناتج عن خساراتها في سورية وهي تندحر على أكثر من محور.
مخاوف تركيا وتحذيرات الغرب من عودة قريبة تتحضر لها التنظيمات الإرهابية، ليست أكثر من بروفة أولية تعكس فقط جزءاً من المشهد، فيما الأجزاء القادمة تحاكي قلقاً يساور دول اعتاشت على دورها الوظيفي الذي استنفد أوراقه مثلما استنفد الأميركي مجالات استخدامه جميعها، وبات ورقة محترقة لن تتردد في حرق الأصابع التي تحتفظ بها، أو التي تحاول اليوم إعادة تدوير زوايا استخدامها في أحلاف جديدة.
الفارق أن الدول التابعة والتي ارتهنت في وجودها لدورها الوظيفي التي أنشئت على أساسه، تتساوى في عوامل القلق وربما المصير، وهي تحاكي الهاجس الإسرائيلي ذاته، فيما أوروبا تعيد البحث عن دور على مقاس « جائزة ترضية » حتى لو كانت داخل الزوايا المهملة على هوامش المشهد الدولي.