إطار “آستنة” يشكل من الناحية النظرية آلية مهمة للمساهمة في إيجاد حل سياسي ينهي آلام السوريين ومعاناتهم جراء الحرب الإرهابية، وإمكانية إيجاد الحل متاحة بحال تم تطبيق المخرجات التي تمخضت عنها كل جولات الحوار السابقة التي وصل عددها حتى اليوم إلى 15 جولة ضمن هذا المسار، ومسألة تحديد الطرف المعرقل، أو الممتنع عن ترجمة تلك المخرجات على أرض الواقع هي في غاية الأهمية، ليصار العمل على إيجاد آليات رادعة تلزمه تنفيذ ما يجب عليه من التزامات عسكرية وقانونية وأخلاقية، ومن شأن ذلك تسريع عملية تظهير الحل السياسي.
القضاء على الإرهاب هو المدخل الرئيسي لأي عملية سياسية، فلا معنى لأي حل سياسي في ظل استمرار وجود التنظيمات الإرهابية، وإدلب لا تزال رهينة بيد إرهابيي “النصرة” بقيادة الضامن التركي، وهو طرف أساسي في ” آستنة”، ولم يلتزم بتنفيذ أي بند من مخرجات “آستنة” وأيضاً “سوتشي”، والوضع المتوتر في منطقة خفض التصعيد هو المسؤول المباشر عن تأجيجه باستمرار، لأنه هو من يدير دفة العمليات الإجرامية التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية المنضوية تحت رايته العثمانية، والحل قطعاً لا يكمن في ضبط تلك التنظيمات ومنعها من تكرار جرائمها، وإنما توحيد الجهود للقضاء عليها واجتثاثها، وإلزام نظام أردوغان بتفكيك غرف العمليات التي أنشأها تحت مسمى “نقاط مراقبة”، وسحب جنوده من هناك باعتبارهم قوة احتلال، فإعادة بسط الدولة السورية على كامل أراضيها شرط أساسي لديمومة أي حل سياسي.
استمرار وجود الاحتلالين التركي والأميركي يشكل أيضاً خطراً كبيراً على العملية السياسية، فهذان الاحتلالان هما بمصاف التنظيمات الإرهابية، ويشكلان العائق الأساسي أمام الجهود التي تبذلها الدولة السورية لإعادة الأمان والاستقرار إلى كامل ربوع أراضيها، والولايات المتحدة باعتبارها من يقود منظومة العدوان، لا تريد أي حل سياسي، وتحارب كل جهد دولي يرمي التوصل لهذا الحل لأنه يتعارض مع أجنداتها الاستعمارية، وهي رفضت المشاركة باجتماعات ” آستنة” لمواصلة التصويب على مخرجاتها، وعملت إلى جانب الضامن التركي على تقويض كل التفاهمات السابقة في هذا المسار، وتعمد في كل مناسبة لطرح بدائل جديدة على غرار «جنيف» البائد تكون مفصلة على مقاس أطماعها وأوهامها، فهي ما زالت تراهن على ورقة الإرهاب، وإعادة إحيائها لـ”داعش” دليل على ذلك.
الحل السياسي يحتاج الكثير من العوامل لإنجاحه، ورفع الدول المعرقلة لهذا الحل يدها عن دعم الإرهاب، وسحب قواتها من الأجزاء التي تحتلها من الأراضي السورية خطوة مهمة باتجاه هذا الحل، ويعزز نجاحه رفع العقوبات الغربية الجائرة عن الشعب السوري، وتسهيل عودة المهجرين والكف عن المتاجرة بأوضاعهم الإنسانية، ولاسيما أن الحكومة السورية هيأت الأرضية المناسبة لعودتهم وأنجزت الكثير من المشاريع الخدمية في مختلف المحافظات لأجل هذا الغرض، وهنا يقع على عاتق الأمم المتحدة المشاركة باجتماعات “آستنة” المسؤولية الكبرى في وضع آليات عمل واضحة وملزمة تسهم في تطبيق ما يتم التوصل إليه من نتائج إيجابية تصب في خدمة دفع العملية السياسية نحو الأمام.
البقعة الساخنة- ناصر منذر