الهوة بين الإنتاج والحاجة السكانية .. حاجة البشر ..مسألة منظورة وكثيراً ما جرى الحديث حولها .. لعل أشهر من صورها في نظرية هو السيد روبيرت مالتوس .. وظهر عبره ما عرف بالمالتوسية .. وهي نظرية متشائمة .. ترى أن العالم ينتج أقل من حاجته .. وأن معدلات الزيادة السكانية أكتر بكثير من معدلات زيادة الإنتاج ..!!
ورأى السيد مالتوس أن الحروب والأوبئة هي مكاسب للبشرية لأنها تقلل من عدد السكان..
من وقتها – القرن الثامن عشر – وصف مالتوس في نظريته بصاحب النزعة التشاؤمية .. وتجاوز العالم المخاوف التي أثارها .. لكن دون أن يتجاوز عديد الحقائق التي أثارها الرجل في نظريته الإنذارية للحياة..
كانت مشكلة مالتوس أنه نظر للناس والبشر كمجرد مستهلكين يأكلون أكثر مما ينتجون ..!! وبشكل ما استوعبت الماركسية النظرية وطرحت القضية على أساس مبادئ علمية مختلفة .. أعطت للإنسان وعمله القدرة المطلقة على حماية الحياة.
إلى حد كبير استثمرت قوى التحكم الرأسمالي بالعالم والحقائق التي أثارتها المالتوسية على أساس أن الخطر الذي يواجهه العالم إنما هو خطر الأفواه المحتاجة للغذاء. فرأت في هذه الأفواه الجائعة ميداناً غير محدود للربح والتوظيفات .. وأن الجوع سيدفع سكان الأرض للبحث عن فرصة العمل بأي أجر كان.
كل العلاجات التي قدمتها الرأسمالية وإدارة العالم الاستثماري الاستغلالي انطلقت فيها من ضغط الأعداد السكانية على الموارد .. ونشأت لمعالجة ذلك وشرحه وفهمه مؤسسات وكتبت نظريات .. ولم تكن الأمم المتحدة بعيدة عن تعميم ذلك كحقائق غير قابلة للرد ..
هذا النشاط الفكري التنظيري الإداري .. أخذ القضية فقط من جهة حاجة الإنسان للغذاء وملحقاته .. ورأى الهوة بين هذه الحاجة والكم المنتج، دون أن يرى أو يحسب فيما إذا كان كامل هذا الإنتاج يتوجه تلقائياً وبشكل بريء وصحيح إلى منتجيه …!! وبالتالي ثمة سؤال لم يسع أحد بنشاط لجعله سؤال قضية حول الضغط الذي يتعرض له المنتج البشري من موارد الحياة وكيف يدار .. ؟!
اليوم كل الظواهر والمخاوف التي تحدث عنها مالتوس قائمة في العالم .. أعني أنها منتشرة .. فإذا كنا نواجه الحروب والأوبئة وتهديد الجوع بمعدات فارغة .. هل يستطيع العالم أن يخبرنا: ما الذي يجري لما ينتجه البشر.. ؟؟
يعني مثلاً: كم تبدد إجراءات الحصار والعقوبات وسياسات الإغلاق والمنع والضغط العدواني على المنج والإنتاج …إلخ .. من الموارد والثروات المنتجة والتي يمكن أن تنتج ؟؟!!
سأعطي مثالاً حياً على ما أقول ..
سورية … مازال سكان هذا البلد يعملون بكل جد وتعب لتأمين متطلبات حياتهم .. في المزارع .. في المصانع .. على الطرقات .. وفي الموانئ والساحات .. وفي كل أماكن عملهم يواجهون لصوص جهدهم .. و لم يهب أحد لمنع الحرامية من سرقة الجهد والمنتج .. !!! علماً أنهم دائماً .. وبكثير من الشماتة يذيعون علينا أخبار الجوع الذي يترصدنا..
معاً على الطريق- أسعد عبود